القرآن قالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ، فرجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) فأنزل الله على نبيه المصطفى صلىاللهعليهوسلم (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) الآية (١).
قال القرطبيّ (٢) : وفي هذا الحديث دليل على أنه صلىاللهعليهوسلم لم ير الجنّ ولكن حضروه وسمعوا قرآنه.
فإن قيل : الذين رموا بالشّهب هم الشياطين والذين سمعوا القرآن هم الجنّ ، فما وجه الجمع؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أنّ الجن كانوا مع الشياطين ، فلما رمي الشياطين أخذوا الجنّ الذين كانوا منهم في تجسس الخبر.
الثاني : أنّ الذين رموا بالشهب كانوا من الجن ، إلا أنهم قيل لهم : شياطين كما قيل : شياطين الإنس والجنّ ، فإنّ الشيطان كل متمرد ، وبعيد من طاعة الله تعالى.
قال ابن الخطيب (٣) رحمهالله : واختلف في أولئك الجنّ الذين سمعوا القرآن من هم؟.
فروى عاصم عن ذر قال : قدم رهط زوبعة وأصحابه على النبي صلىاللهعليهوسلم ثم انصرفوا ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ).
وقيل : كانوا من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا وعامة جنود إبليس منهم.
وقيل : كانوا سبعة ، ثلاثة من أرض «حرّان» وأربعة من أرض «نصيبين» : قرية من قرى اليمن غير التي بالعراق رواه أيضا عنهم عاصم عن ذر.
وقيل : إنّ الجنّ الذين أتوه بمكة جنّ نصيبين ، والذين أتوه بنخلة جنّ نينوى.
وقال عكرمة : كانوا اثني عشر ألفا من جزيرة الموصل (٤).
ومذهب ابن مسعود أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أمر بالمسير إليهم ليقرأ القرآن عليهم ويدعوهم إلى الإسلام ، روى ابن مسعود أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أمرت أن أتلو القرآن على الجنّ فمن
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٥٣٧) كتاب التفسير ، باب : سورة قل أوحي حديث رقم (٤٩٢١) ومسلم (٤٤٩) والترمذي (٣٣٢٠) والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٤٩٩) والحاكم (٢ / ٥٠٣) وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٢٩) وزاد نسبته إلى أحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في «الدلائل».
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٤.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ١٣٥.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٥).