ولا تنزع عنّي صالح ما أعطيتني أبدا ، ولا تجعل معيشتي كدّا ، واجعل لي في الأرض جدا» (١).
قوله : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً).
يجوز الفتح ، أي : أوحى الله إليه أنه ، ويجوز الكسر على الاستئناف ، و (عَبْدُ اللهِ) هو محمد صلىاللهعليهوسلم حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن حسب ما تقدم أول السورة. «يدعوه» ، أي : يعبده.
وقال ابن جريج : «يدعوه» ، أي : قام إليهم داعيا إلى الله تعالى ، فهو في موضع الحال ، أي : يوحد الله.
(كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً).
قال الزّبير بن العوام : هم الجنّ حين استمعوا القرآن من النبي صلىاللهعليهوسلم أي : كاد يركب بعضهم بعضا ازدحاما عليه ويسقطون حرصا على سماع القرآن العظيم (٢).
وقيل : كادوا يركبونه حرصا ، قاله الضحاك (٣).
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : رغبة في سماع القرآن (٤).
يروى عن مكحول : أن الجنّ بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذه الليلة ، وكانوا سبعين ألفا ، وفرغوا من بيعته عند الفجر (٥).
وعن ابن عباس أيضا : أن هذا من قول الجنّ لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وائتمامهم به في الركوع والسجود (٦).
وقيل : كاد الجنّ يركب بعضهم بعضا حرصا على النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال الحسن وقتادة وابن زيد : «لمّا قام عبد الله» محمد بالدعوة تلبدت الإنس ، والجن على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله تعالى إلّا أن ينصره ويتم نوره (٧) ، واختار الطبريّ
__________________
(١) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ١٢٠) والقرطبي (١٩ / ١٥).
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٧) وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن الزبير.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٧٢).
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٦).
(٥) ينظر المصدر السابق.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٧٢) والترمذي (٣٣٢٣) والحاكم (٢ / ٥٠٤) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٧) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن مردويه والضياء في «المختارة».
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣) عن قتادة وابن زيد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٧) عن قتادة وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.