وقرأ ابن السميقع وأبو حيوة وهشام عن أهل الشام : «ثلثي» بإسكان اللام ، و (نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) بالخفض : قراءة العامة ـ كما تقدم ـ ، عطفا على «ثلثي» والمعنى : تقوم أدنى من ثلثي الليل ، ومن نصفه ، وثلثه ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، لقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) فكيف تقيمون نصفه أو ثلثيه ، وهو لا تحصونه؟! وأما قراءة النصف عطفا على «أدنى» ، والتقدير : تقوم أدنى من ثلثيه وتقوم نصفه وثلثه. قال الفراء : وهو أشبه بالصواب ؛ لأنه قال : أقلّ من الثلثين ، ثم ذكر نفس القلة لا أقل من القلة.
قال القشيريّ : وعلى هذه القراءة يحتمل أنهم كانوا يصيبون الثلث والنصف لخفة القيام عليهم بذلك القدر ، وكانوا يزيدون ، وفي الزيادة إصابة المقصود ، فأما الثلثان فكان يثقل عليهم قيامه فلا يصيبونه ، وينقصون منه ، ويحتمل أنهم أمروا بالقيام نصف الليل ، ورخص لهم في الزيادة والنقصان ، وكانوا ينتهون في الزيادة إلى قريب من الثلثين ، وفي النصف إلى قريب من الثلث ، ويحتمل أنّهم قدر لهم النصف وأنقص إلى الثلث ، والزيادة إلى الثلثين ، وكان فيهم من يفي بذلك ، وفيهم من يترك ذلك إلى أن نسخ عنهم ، وقيل : إنّما فرض عليهم الربع ، وكانوا ينقصون من الربع.
قال القرطبيّ (١) : «وهذا تحكّم».
قوله : (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ). رفع بالعطف على الضمير في «تقوم» ، وجوز ذلك الفصل بالظرف ، وما عطف عليه.
قوله : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ).
قال الزمخشريّ : «تقديم اسم الله ـ عزوجل ـ مبتدأ مبنيا عليه «يقدر» هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير».
ونازعه أبو حيّان في ذلك ، وقال (٢) : «لو قيل : زيد يحفظ القرآن ، لم يدل ذلك على اختصاصه».
وقيل : الاختصاص في الآية مفهوم من السياق ، والمعنى : ليعلم مقادير الليل ، والنهار على حقائقها ، وأنتم تعلمون بالتحري ، والاجتهاد الذي يقع فيه الخطأ.
قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) ، (أَنْ لَنْ) و (أَنْ سَيَكُونُ) كلاهما مخففة من الثقيلة والفاصل للنفي ، وحرف التنفيس.
والمعنى : علم أن لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك ، والقيام به ، أي : أن الله هو الذي يعلم مقادير الليل والنهار على حقيقته.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٣٥.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٦٧.