وقيل : المعنى : لن تطيقوا قيام الليل ، والأصح الأول ، لأن قيام الليل ما فرض كله قط.
قال مقاتل وغيره : لما نزل (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) شق ذلك عليهم ، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل ، من ثلثه ، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطىء ، وانتفخت أقدامهم ، وانتقعت ألوانهم ، فخفف الله عليهم ، وقال : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) ، أي : علم أنكم إن زدتم ثقل عليكم ، واحتجتم إلى تكليف ما ليس فرضا ، وإن نقصتم شق معرفة ذلك عليكم (١).
قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ، أي : فعاد عليكم بالعفو ، وهذا يدل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به.
وقيل : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) من فرض القيام أو عن عجزكم ، وأصل التوبة الرجوع ـ كما تقدم ـ فالمعنى : رجع لكم من تثقيل إلى تخفيف ، ومن عسر إلى إيسار ، وإنما أمروا بحفظ الأوقات بالتحري ، فخفف عنهم ذلك التحري.
وقيل : معنى قوله : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ، أي : يخلقهما مقدرين ، كقوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢].
قال ابن العربي : تقدير الخلقة لا يتعلق به حكم وإنما يربط الله به ما يشاء من وظائف التكليف. قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).
قيل : المراد نفس القراءة ، أي : فاقرأوا فيما تصلون به بالليل ما خف عليكم.
قال السديّ : مائة آية (٢).
وقال الحسن : من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن (٣).
وقال كعب : من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين (٤).
وقال سعيد بن جبير : خمسون آية (٥).
قال القرطبي (٦) : قول كعب أصح ، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من قام بعشر
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٣٥ ـ ٣٦) عن مقاتل.
(٢) ينظر المصدر السابق وقد ورد هذا مرفوعا من حديث ابن عباس ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٣٣) وقال : رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن طاووس ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا.
وذكره أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٤٨) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٩٤) وذكره القرطبي (١٩ / ٣٦).
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٣٦).
(٦) الجامع لأحكام القرآن (١٩ / ٣٦).