قال ابن الخطيب (١) : «وحمل الآية على هذا التأويل يعسر لأنه على هذا الوجه لا يحسن اتصال الآية بما قبلها».
ومن قال المراد به الخلق قال معناه : وخلقك فحسّن قاله الحسن والقرظي ؛ لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه ؛ قال الشاعر : [الطويل]
٤٩٥٠ ـ فلا أب وابنا مثل مروان وابنه |
|
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا (٢) |
والسبب في حسن هذه الكناية وجهان :
الأول : أن الثوب كالشيء الملازم للإنسان فلهذا جعلوا الأثواب كناية عن الإنسان ، فيقال: المجد في ثوبه والعفة في إزاره.
الثاني : أنه من طهر باطنه غالبا طهر ظاهره ، ومن قال : المراد به الدين فمعناه : ودينك فطهر.
جاء في الصحيح : أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ورأيت النّاس وعليهم ثياب منها ما يبلغ الثّديّ ، ومنها دون ذلك ، ورأيت عمر بن الخطّاب ، وعليه إزار يجرّه ، قالوا : يا رسول الله فما أوّلت ذلك؟ قال : الدّين» (٣).
وروي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) قال : معناه لا تلبس ثيابك على عذرة (٤) ؛ قال ابن أبي كبشة : [الطويل]
٤٩٥١ ـ ثياب بني عوف طهارى نقيّة |
|
وأوجههم عند المشاهد غرّان (٥) |
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ١٧٠.
(٢) نسب البيت إلى الربيع بن ضبع الفزاري ، وإلى الفرزدق ، وإلى رجل من عبد مناة ينظر الكتاب ٢ / ٢٨٥ ، وشرح التصريح ١ / ٢٤٣ ، شرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٥٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٦٧ ، ٦٨ وأمالي ابن الحاجب ١ / ٤١٩ ، ٢ / ٥٩٣ ، ٨٤٧ ، والدرر ٦ / ١٧٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٢ ، وجواهر الأدب ص ٢٤١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٥٣ ، وشرح قطر الندى ص ١٦٨ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠١ ، ١١٠ ، واللامات ص ١٠٥ ، واللمع ص ١٣٠ ، والمقتضب ٤ / ٣٧٢.
(٣) أخرجه البخاري (١ / ٩٣) كتاب الإيمان : باب تفاضل أهل الإيمان (٢٣) ومسلم (٤ / ١٨٩٥) كتاب الفضائل : باب فضل عمر حديث (١٥ / ٢٣٩٠) والترمذي (٤ / ٤٦٧) كتاب الرؤيا : باب في رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم رقم (٢٢٨٥) والنسائي (٨ / ١١٣ ـ ١١٤) كتاب الإيمان وشرائعه ، باب : زيادة الإيمان رقم (٥٠١١) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٤) تقدم.
(٥) البيت ليس لابن أبي كبشة ، وإنما هو لامرىء القيس من قصيدة يمدح يها عويمر بن شجنة بن عطارد من بني تميم. ينظر ديوانه (٨٣) ، ورواية الديوان «غمّان» مكان «غران». ويروى الشطر الثاني في غير الديوان : وأوجههم بيض المسافر غرّان.
ينظر : القرطبي ١٩ / ٤٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٦٣.