قلت : التشبيه محمول على المعنى ، وعليه يصح ، والمراد : كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)؟.
وتقدم في «آل عمران» تعدي أنصار ب «إلى» واختلاف الناس في ذلك.
وقال الزمخشري هنا : «فإن قيل : ما معنى قوله : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)؟ فالجواب : يجب أن يكون معناه مطابقا لجواب الحواريين (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) والذي يطابقه أن يكون المعنى من جندي متوجها إلى نصرة الله ، وإضافة أنصاري خلاف إضافة (أَنْصارَ اللهِ) فإن معنى (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) نحن الذين ينصرون الله ، ومعنى (مَنْ أَنْصارِي) من الأنصار الذين يختصون بي ويكونون معي في نصرة الله ، ولا يصح أن يكون معناه : من ينصرني مع الله لأنه لا يطابق الجواب ، والدليل عليه قراءة من قرأ : من أنصار الله». انتهى.
يعني : أن بعضهم يدعي أن «إلى» بمعنى «مع» أي من أنصاري مع الله؟!.
وقوله : قراءة من قرأ (أَنْصارَ اللهِ) ، أي : لو كانت بمعنى «مع» لما صح سقوطها في هذه القراءة.
قال شهاب الدين (١) : «وهذا غير لازم ، لأن كل قراءة لها معنى يخصها إلا أن الأولى توافق القراءتين».
قوله : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : يعني في زمن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ (٢) وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق : فرقة قالوا كان الله فارتفع ، وفرقة قالوا : كان ابن الله فرفعه الله إليه ، وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه ، وهم المؤمنون ، واتبع كل فرقة طائفة من الناس فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث الله محمداصلىاللهعليهوسلم فظهرت فرقة المؤمنين على الكافرين ، فذلك قوله تعالى : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) ، غالبين.
وقال مجاهد : أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى ؛ والأول أظهر ؛ لأن عيسى لم يقاتل أحدا ، ولم يكن في دين أصحابه بعده قتال.
وقال زيد بن علي ، وقتادة : (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) غالبين بالحجّة ، والبرهان ، لأنهم قالوا فيما روي : ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام ، والله لا ينام ، وأن عيسى كان يأكل ، والله تعالى لا يأكل (٣).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٤.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣٣٨).
(٣) ينظر تفسير القرطبي (١٨ / ٥٩).