حتى غشي عليهما. ثم استأذن عمه في المبارزة فأبى أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه ، حتى أذن له. فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :
إن تنكروني فأنا ابن الحسن |
|
سبط النبي المصطفى والمؤتمن |
هذا حسين كالأسير المرتهن |
|
بين أناس لا سقوا صوب (١) المزن |
فقاتل قتالا شديدا ، حتى قتل على صغر سّنه [على بعض الروايات] خمسة وثلاثين رجلا.
وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣٧٤ ط ٢ :
ثم إن القاسم تقدم إلى عمر بن سعد ، وقال له : يا عمر أما تخاف الله ، أما تراقب الله يا أعمى القلب ، أما تراعي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!. فقال عمر : أما كفاكم التجبر ، أما تطيعون يزيد؟. فقال القاسم عليهالسلام : لا جزاك الله خيرا ، تدّعي الإسلام ، وآل رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم عطاشى ظماء ، قد اسودّت الدنيا بأعينهم.
وفي (اللواعج) قال حميد بن مسلم : كنت في عسكر ابن سعد ، حين خرج علينا غلام كأن وجهه شقة قمر (٢) ، وفي يده سيف ، وعليه قميص وإزار ونعلان ، قد انقطع شسع إحداهما ، ما أنسى أنها كانت اليسرى [وأنف ابن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يحتفي في الميدان ، فوقف يشدّ شسع نعله (٣)].
وفي ذلك قال الشاعر مجنّسا :
أتراه حين أقام يصلح نعله |
|
بين العدى كيلا يروه بمحتفي (٤) |
غلبت عليه شآمة حسنية |
|
أم كان بالأعداء ليس بمحتفي (٥) |
فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي : والله لأشدّنّ عليه. فقلت : سبحان الله وما تريد بذلك!. والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، دعه يكفيكه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه. فقال : والله لأفعلنّ. فشدّ عليه ، فما ولّى حتى ضرب رأسه
__________________
(١) المزن : السحاب الأبيض. والصّوب : انصباب المطر.
(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٣١ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٦ ؛ ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج ؛ وإرشاد المفيد ؛ وإعلام الورى ، ص ١٤٦.
(٣) ذخيرة الدارين ، ص ١٥٢ ؛ وإبصار العين ، ص ١٣٧.
(٤) في عجز البيتين جناس تام ؛ فكلمة (محتفي) الأولى : من الاحتفاء ، وهو المشي بلا نعل.
(٥) وكلمة (محتفي) الثانية : من عدم الاحتفاء ، أي عدم الاهتمام والاكتراث.