وكان الحسين عليهالسلام جالسا ، إذ شهق العباس شهقة ، وفارقت روحه الطيبة. فصاح الحسين عليهالسلام : وا أخاه ، وا عباساه ، وا ضيعتاه!.
وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣١٢ ط ٢ نجف ، قال :
روي أن العباس بن علي عليهالسلام كان حامل لواء أخيه الحسين عليهالسلام ، فلما رأى جميع عسكر الحسين عليهالسلام قتلوا وإخوانه وبنو عمه بكى وأنّ ، وإلى لقاء ربه اشتاق وحنّ. فحمل الراية وجاء نحو أخيه الحسين عليهالسلام وقال : يا أخي هل رخصة؟. فبكى الحسين عليهالسلام بكاء شديدا حتى ابتلّت لحيته المباركة بالدموع. ثم قال : يا أخي كنت العلامة من عسكري ، ومجمع عددنا ، فإذا أنت غدوت يؤول جمعنا إلى الشتات ، وعمارتنا تنبعث إلى الخراب. فقال العباس عليهالسلام : فداك روح أخيك ، يا سيدي قد ضاق صدري من حياة الدنيا ، وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين عليهالسلام : إذا غدوت إلى الجهاد فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء.
فلما أجاز الحسين عليهالسلام أخاه العباس للبراز ، برز كالجبل العظيم ، وقلبه كالطود الجسيم ، لأنه كان فارسا هماما وبطلا ضرغاما ، وكان جسورا على الطعن والضرب ، في ميدان الكفاح والحرب. فلما توسّط الميدان وقف وقال : يا عمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إنكم قتلتم أصحابه وإخوته وبني عمه ، وبقي فريدا مع أولاده ، وهم عطاشى قد أحرق الظمأ قلوبهم ، فاسقوه شربة من الماء ، لأن أطفاله وعياله وصلوا إلى الهلاك ، وهو مع ذلك يقول لكم : دعوني أخرج إلى أطراف الروم والهند وأخلّي لكم الحجاز والعراق ، والشرط لكم أن غدا في القيامة لا أخاصمكم عند الله ، حتى يفعل الله بكم
ما يريد!.
فلما أوصل العباس عليهالسلام إليهم الكلام عن أخيه ، فمنهم من سكت ولم يردّ جوابا ، ومنهم من جلس يبكي. فخرج الشمر وشبث بن ربعي ، فجاء [الشمر] نحو العباس وقال : يابن أبي تراب قل لأخيك : لو كان كل وجه الأرض ماء وهو تحت أيدينا ، ما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
فتبسم العباس عليهالسلام ومضى إلى أخيه الحسين عليهالسلام وعرض عليه ما قالوا ، فطأطأ رأسه إلى الأرض ، وبكى حتى بلّ أزياقه [أي أكمامه]. فسمع الحسين عليهالسلام الأطفال ينادون : العطش!.