فخاف عمر بن سعد أن يدبّ النزاع في صفوف جيشه ، فقال لحرملة بن كاهل الأسدي وكان راميا : اقطع نزاع القوم. فسدد حرملة سهمه نحو عنق الصبي ، فرماه بسهم فذبحه من الوريد إلى الوريد ، وهو لائذ بحجر أبيه. فأخذ الطفل يفحص من ألم الجروح ، ويرفرف كما يرفرف الطير المذبوح ، ودمه يشخب من أوداجه ، والحسين عليهالسلام يتلقّى دمه من نحره حتى امتلأت كفه ، ثم رمى به نحو السماء.
قال الإمام الباقر عليهالسلام : فما وقع منه قطرة إلى الأرض ، ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب.
ثم قال عليهالسلام : هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى (١). الله م لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح. إلهي إن كنت حبست عنا النصر [من السماء] ، فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من [هؤلاء القوم] الظالمين (٢) واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل (٣). الله م أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤). فسمععليهالسلام مناديا من السماء : دعه يا حسين فإن له مرضعا في الجنة (٥).
ثم نزل عليهالسلام عن فرسه ، وحفر له بجفن سيفه ، ودفنه مرمّلا بدمه ، وصلّى عليه (٦). ويقال : وضعه مع قتلى أهل بيته (٧).
(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٨٣) : ثم أقبل الحسين عليهالسلام إلى أم كلثوم وقال لها : يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيرا ، فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر. فقالت له : يا أخي إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء ، فاطلب له شربة من الماء. فقال : هلمّي إليّ به. فأخذ الطفل وتوجّه نحو القوم ، وقال : يا قوم قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشا فاسقوه
__________________
(١) عن اللهوف ، ص ٦٦.
(٢) عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٣٦.
(٣) عن تظلم الزهراء ، ص ١٢٢.
(٤) عن المنتخب للطريحي ، ص ٣١٣.
(٥) تذكرة الخواص ، ص ١٤٤ ؛ والقمقام لميرزا فرهاد ، ص ٣٨٥.
(٦) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ والاحتجاج للطبرسي ، ص ١٦٣ ط نجف.
(٧) الإرشاد للمفيد ، ومثير ابن نما ، ص ٣٦.