لما قتل الحسين بن علي عليهالسلام أسر من معسكره غلامان صغيران. فأتى بهما عبيد الله بن زياد. فدعا سجانا له ، فقال : خذ هذين الغلامين إليك ، فمن طيّب الطعام فلا تطعمهما ، ومن الماء البارد فلا تسقهما ، وضيّق عليهما سجنهما. فكان الغلامان يصومان النهار ، فإذا جنّهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح. فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة ، قال أحدهما لصاحبه :
يا أخي قد طال بنا مكثنا ، ويوشك أن تفنى أعمارنا ، وتبلى أبداننا ، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا ، وتقرّب إليه بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لعله يوسّع علينا في طعامنا ويزيدنا في شرابنا. فلما جنّهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح. فقال له الغلام الصغير : يا شيخ أتعرف محمدا؟. قال : فكيف لا أعرف محمدا وهو نبيّي!. قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟. قال : وكيف لا أعرف جعفرا وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء!. قال : أفتعرف علي بن أبي طالب؟. قال : وكيف لا أعرف عليا وهو ابن عم نبيّي وأخو نبيّي!. قال : أتعرف عقيل بن أبي طالب؟. قال : نعم. قال له : يا شيخ فنحن من عترة نبيّك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، بيدك أسارى ، نسألك من طيّب الطعام فلا تطعمنا ، ومن بارد الشراب فلا تسقينا ، وقد ضيّقت علينا سجننا. فانكبّ الشيخ على أقدامهما يقبّلهما ، ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى. هذا باب السجن بين يديكما مفتوح ، فخذا أي طريق شئتما!. فلما جنّهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح ، ووقفهما على الطريق ، وقال لهما : سيرا يا حبيبيّ الليل ، واكمنا النهار ، حتى يجعل الله عزوجل لكما من أمركما فرجا ومخرجا. ففعل الغلامان ذلك. فلما جنهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب ، فقالا لها : يا عجوز إنا غلامان صغيران غريبان حدثان ، غير خبيرين بالطريق ، وهذا الليل قد جنّنا ، أضيفينا سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت لهما : فمن أنتما يا حبيبيّ ، فقد شممت الروائح كلها فما شممت رائحة هي أطيب من رائحتكما؟. فقالا لها : يا عجوز نحن من عترة نبيك محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل. قالت : يا حبيبيّ إن لي ختنا [وهو الصهر زوج البنت] قد شهد الوقعة مع عبيد الله بن زياد ، أتخوّف أن يصيبكما ههنا فيقتلكما. قالا : سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت : سآتيكما بطعام ، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا. ولما ولجا الفراش ، قال الصغير للكبير : يا أخي إنا نرجو أن نكون قد أمنّا ليلتنا هذه ، فتعال