فلقد ابتدأ ذلك بقتل سيد الشهداء حمزة ، الّذي قضّ مضجع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى صلى عليه أربعين مرة ، مع كل شهيد مرة. ولم يكتفوا بذلك حتى حاولت هند
أم معاوية أن تلوك كبد الحمزة بعد أن استخرجتها من صدره الشريف ، فلم تستطع مضغها وبلعها ، فلفظتها ، وعملت من كبده أساور وخلاخل تزيّنت بها شماتة به ، لأنه كان قد قتل أباها عتبة رأس الشرك والكفر في معركة بدر.
ثم ختم ذلك بقتل أبي عبد الله الحسين عليهالسلام الّذي أخذ يزيد بقتله ثأر معركة بدر ، فكان أكثر كفرا وإجراما من جدته هند وجدّه عتبة.
وكان قتل حمزة والحسين عليهالسلام محاولة من أعداء الإسلام لاستئصال دعوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاتخذ المسلمون تربته شعارا يتبركون به ويستشفون بها ، اعترافا بفضل الشهداء على الإسلام ، وتخليدا لذكرى أنصار الإسلام والذين ماتوا في سبيل الله.
ولما قتل الحسين عليهالسلام لإحياء دين جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، اتخذ المسلمون تربته شعارا يسجدون عليها لله تعالى ، ليتذكروا أنه لو لا الحسين عليهالسلام لم تكن الصلاة لتقام إلى هذه الأيام. وكما قال المرحوم الشيخ عباس شرف في ديوانه :
لو لا وقوفك بالطفوف |
|
لما وقفنا بالصلاة |
فكلما سجد المصلي لله تعالى على هذه التربة ، في مشارق الأرض ومغاربها ، اخترقت أمام بصره وبصيرته تلك الحجب المادية الكثيفة ، التي تحجب بينه وبين حقيقة الصلاة ، التي هي معراج المؤمن ، من حضيض المادة إلى سماء الحقائق ، وعرج بروحه إلى الحضرة الإلهية مقتربا من الله ملتمسا عفوه وثوابه.
وإلى مثل هذا الرأي يذهب أحد أساطين العلم في هذا الوقت ، في سرّ السجود على تربة الحسين عليهالسلام بقوله : ولعل من جملة المقاصد السامية أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة ، تضحية ذلك الإمام بنفسه وآل بيته والصفوة من أصحابه ، في سبيل العقيدة والمبدأ ، وتحطيم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد.
ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة ، وكما في الحديث : «أقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده» ناسب أن يتذكر المؤمن حال وضعه جبهته على تلك التربة الزاكية ، أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق ، وارتفعت أرواحهم