فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) (الرعد / ١٨) ، أي أن لكل قوم قبلة أو طريقا يختارونه في حياتهم ، فالصالح يختار الجادة الوسطى فييسر الباري عزّ اسمه الوصول إليها والمضي فيها» ، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) (الرعد / ١٩).
أما الطالح الذي اختار جادة الضلال فإنّه سبحانه يمهّد له ويمدّه لأنه باختياره أراده وانتخبه : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) فعند ما يختار المرء جادة الصواب فإنه بذلك يرجع إلى فطرته (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
الصنف الثالث : الآيات الدالّة على أخذ الميثاق على عبادة الله.
منها قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ...) (يس / ٦١).
(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ...) (طه / ١١٦).
ويمكن حمل آدم هنا على آدم النوعي أيضا باعتبار ما عهد إليهم عزوجل ألّا يسيروا خلف الشيطان ، لكنّهم ردّوا الدعوة وانقلبوا صاغرين.
الصنف الرابع : الآيات الدالّة على رجوع الإنسان لفطرته عند الشدائد ودهم الأخطار منها :
قوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (العنكبوت / ٦٦).
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (الأنعام / ٦٤).
(فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) (الأنبياء / ٨٨).
(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (لقمان / ٣٣).
هذه الآيات بأصنافها الأربعة تشير إلى موضوع النفس المهملة عند أكثرنا ، والتي من عرفها عرف الله سبحانه بالمعرفة اليقينية لا بالرسوم والحدود المنطقية كما هو دأب أهل الظاهر الجامدين على القشور دون اللباب. فحقيقة المعرفة ليست سوى التعلق بالمبدإ والربط بالوجود المحض ، لذا لا يمكنه أن يرى حقيقته