وأحداث تتابع عليهم ، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل أو كتاب منزل أو حجة لازمة أو محجة قائمة : رسل لا تقصّر بهم قلة عددهم ولا كثرة المكذّبين لهم : من سابق سمّي له من بعده أو غابر عرّفه من قبله ، على ذلك نسلت القرون ومضت الدهور وسلفت الآباء وخلفت الأبناء» (١).
وهناك طريق آخر للوصول إليه سبحانه أكثر تعقيدا من الطريق الأول وهو التعرّف إليه سبحانه عبر الاستدلالات الفكرية المنطقية والفلسفية توصله إلى المطلوب ، ويختلف هذا عن سابقه. إنّ الطريق الأول مخصوص بمن لم يدخل الشك إلى قلبه وإنما يريد تقوية اعتقاده بربه تقدّست أسماؤه (وكرم صنائعه وفعاله) ، أما الطريق الثاني فهو خاص بمن داخل الشك أعماق قلبه ، فلا بدّ معه من دواء فكري به يعالج مرضه النفسي ، وهذا يتكفّل به الإدراك العقلي الذي هو بمثابة جسر حديدي للعبور إلى ضفة الأمان ، بعكس الأول الذي هو عبارة عن جسور بسيطة توصله إلى مبتغاه.
ومن هذا المنطلق كثرت الأدلة والبراهين لإثبات وجوده تعالى وإن كان عزّ اسمه لا يحتاج إلى دليل يدلّ عليه وهو عين : ما قاله مولاي أبو الأحرار الإمام الحسين عليهالسلام في دعاء عرفة :
«كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيبا» ، فمعرفته عزوجل من أوضح الأشياء ، لكن ليس عند كل البشر ، وإنما عند من فني في صفاته وتدكدكت إنيته أمام عظمته تعالى الذي سرى حبّه عند المخلصين فتجلّى اسمه على أرواحهم كتجلي النور على جبل الطور فصعق موسى عليهالسلام ، فكذا تصعق نفوس المخلصين الكاملين حينما تتجلى عليها أنوار المحبة ومشكاة النور فتغيب عن إنيّتها لتصحى به.
ومن هنا قال «توماس كارليل» الذي اقتبس مقالته من مشكاة الولاية : [إن الذين يريدون إثبات وجود الله تعالى بالبرهان والدليل ما هو إلّا كالذي يريد
__________________
(١) الدليل على موضوعات النهج : ص ٢٠١ ، والمراد من «ولده» أي آدم ، ولاحظ شرح النهج محمد عبده : ج ١ ص ١٧.