نعم قد يقال : إنّ موسى عليهالسلام طلب المرتبة الحضورية الكاملة التي نالها النبي محمّد والعترة ، فكان الجواب : إنك يا موسى لن تصل إلى مقامهم وعلوّ قدرهم.
هذا الجواب وإن كان صحيحا ثبوتا إلّا أنه خلاف الأدلّة الظاهرية وإن كان لا يبعد كونه من بطون القرآن.
هذا وقد استدلّوا أيضا على المدّعى بذيل الآية (... وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي).
حيث علّق الرؤية على استقرار الجبل وهو أمر ممكن ، والمعلّق على الممكن ممكن ، فالرؤية ممكنة.
يجاب عنه بوجهين :
الأول :
إن المراد من الاستقرار هو الاستقرار بعد التجلّي ، وهذا ما لم يحصل ، وليس المراد منه إمكان الاستقرار لأنه لا شك أنّه أمر ممكن.
وبعبارة : إن إمكان الرؤية علّق على وجود الاستقرار وتحققه بعد التجلّي بمعنى أنه لو تجلّى الربّ للجبل ولم يتدكدك فإنه سوف يراه ولكن بما أنه لم يستقر له حالة بعد التجلّي بل صار حطاما وغار في الأرض فإن موضوع الرؤية محال.
وقد أراد الله تعالى بهذا أن يفهم قوم موسى عليهالسلام أن رؤية الله تعالى ممتنعة عليه وعلى غيره لذا علّق سبحانه إمكان رؤيته على استقرار الجبل ، والمفروض أنه لم يستقر ؛ إذن فالرؤية ممتنعة وغير ممكنة ، وهذا الأسلوب له نظير في كلام العرب كما لو قال أحد لآخر :
«افعل هذا إذا شاب الغراب أو دخل الجمل في سمّ الخياط».
الثاني :
إنه تعالى علّق الرؤية على الاستقرار لا مطلقا بل على استقرار الجبل ، حال حركته ، واستقراره حال الحركة محال ، فلا يدلّ على إمكان المعلّق أي أن الرؤية وإن علّقت على استقرار الجبل ، لكن لا على الاستقرار المطلق ولكن على استقراره حال تحركه وقبل انتهاء تحركه ، ومن المعلوم أن هذا مستحيل لما فيه من اجتماع الضدين : هما امتناع اجتماع الحركة والسكون في آن واحد معا.