المناجاة لم يكن يعرف بأن الله لا يرى بالبصر هذا يعني أن الأنبياء المتقدّمين عليه لم يكونوا عارفين بأنّ الله لا يرى بالبصر ، فكان الأجدر أن يعلّمهم الله أنه لا يرى ، فإذا كانوا عالمين بأن الله لا يرى فلما لا يكون موسى مثلهم عالما بأن الله لا يرى؟! .. وهل يعقل أن يهب الله سبحانه العلوم والمعارف اليقينية للأنبياء المتقدمين على موسى لا سيما لعبد صالح كالخضر عليهالسلام ولا يهبها لرسول من أولي العزم؟! .. ومن أين علم أن الله يعرّف أنبياءه أصول العقيدة بالتدريج! (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٦٠) (يونس / ٦٠).
وأما الأمر الثاني : إن تبنيه للرأي الأشعري في مسألة الرؤيا وغيرها من المسائل الاعتقادية ليس غريبا عمن جاس ديار منهجه العلمي ، فيرى بوضوح طرحه للنصوص الرّوائية لو خالفت الظاهر القرآني ، مع أننا مأمورون بتأويل النص حال المخالفة ، نعم إذا لم يمكن تأويله يجب حينئذ طرحه.
وأما الأمر الثالث : إن موضوع رؤية الله وصفاته الثبوتية والسلبية وبقية الأصول الاعتقادية هي من المدركات العقلية التي يستقلّ بإدراكها العقل ، ولا علاقة للسمع بها إلّا من حيث التأكيد على حكم العقل في حال الانحراف عن الجادة الوسطى. ولو سلّمنا جدلا بعدم معرفة موسى بأنّ الله لا يرى لكنا نسبنا إلى موسى الجهل بالله وبصفاته مع أن الله أخذ عليه وعلى الأنبياء مطلقا المواثيق على التوحيد بجميع أقسامه وفطرهم والناس على معرفته عزوجل ، فالجهل بأنه تعالى لا يرى بالبصر خلاف التوحيد الذاتي والصفاتي ، وقد قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٨)) (الأحزاب / ٨) ، هذا مضافا إلى أن جواز النظر ملازم لكونه تعالى جسما وقد قامت الأدلة العقلية عند الأنبياء قبل غيرهم على امتناع الجسمية ولواحقها من الحركة والسكون عليه تعالى ، والأحكام العقلية لا تخصص بزمان دون آخر ، ولا تعطى لأناس دون آخرين ، فالأحكام العقلية ثابتة في جبلّة الإنسان أفاضها الله على آدم وأولاده من دون تمييز ، فلم يخلق الله سبحانه آدم مفطورا على معرفته دون موسى الذي نسب إليه أنه لم يكن يعرف أن الله لا يرى بالبصر؟!
وأما الأمر الرابع : فالاعتماد على بعض الظواهر القرآنية دون بعض لمعرفة الأنبياء ما هو إلا مجرّد استحسان ، بل طرحا للنصوص القرآنية المحكمة الدالة على علوّ مقام الأنبياء لا سيما أولي العزم ، والنصوص النبوية التي أكدت الآيات