باطل بضرورة العقل والنقل لقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ...).
ثانيا : إن «النظر» يستعمل بمعنى الانتظار مع لفظة «إلى» في المحاورات العرفية ، ويشهد له قول الشاعر :
وجوه ناظرات يوم بدر |
|
إلى الرحمن يأتي بالفلاح |
وقول الفرزدق :
ولقد عجبت إلى هوازان أصبحت |
|
منّي تلوذ ببطن أم جرير |
فهنا عديّ لفظ «عجبت» بإلى ، لأن المعنى «نظرت».
ثالثا : المنع من إفادة «النظر» الرؤية لغة ، وذلك لأن النظر إذا تعلّق بالعين أفاد طلب الرؤية الحسيّة ، وإذا تعلّق بالقلب أفاد طلب المعرفة ، لذا فإنّ «النظر» وإن اقترن به حرف «إلى» لا يفيد الرؤية ، ولهذا يقال :
«نظرت إلى الهلال فلم أره» ، وإذا لم يتعيّن هذا المعنى أمكن حمل الآية على تقدير مضاف أي إلى ثواب ربّها ناظرة.
رابعا : لو كان المراد من «ناظرة» الرؤية الحسيّة لما ناسب أن يعبّر تعالى بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ...) بل لكان الأولى أن يعبّر عن ذلك ب «العيون» لأنّ هناك فرقا واضحا بين قولنا «عيون يومئذ ناظرة» وقولنا : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فالوجوه الناظرة غير العيون الناظرة ، والأول منهما يناسب التوقع والانتظار دون الثاني.
خامسا : إن معنى «ناظرة» أي راجية ومتوقّعة ومنه قول بعضهم : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي ، أي متوقع وراج ، ومنه قول الشاعر :
إذا نظرت إليك من ملك |
|
والبحر دونك زدتني نعما |
«فالنظر» هنا بمعنى الرجاء أي إذا رجوت مكارمك زدتني نعما ، فالنظر إليه كناية عن ذلك.
وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين الناس أبوابهم مغلقة يأوون إلى مقائلهم تقول : [عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم].
فعيينتي تصغير عينين ، ونويظرة تصغير ناظرة.
والمعنى : تقصد راجية ومتوقعة لإحسانهم إليها (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف : ج ٤ ص ٦٥٠.