قال الراغب الأصفهاني :
«العبودية إظهار التذلّل ، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلّل ولا يستحقها إلّا من له غاية الافضال وهو الله تعالى ، ولهذا قال : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (١) (يونس / ٤١).
وقال ابن منظور :
«العبادة» الطاعة مع الخضوع ، ومنه : «طريق معبّد» إذا كان مذللا بكثرة الوطء» (٢).
وأهل اللغة وإن فسّروا هذه اللفظة بالطاعة والخضوع والتذلّل لكنه لا يعني أن من أطاع أو خضع أو تذلّل لغيره أصبح عابدا له ، لأنّ الطاعة وما شابهها ليست مطلقا قرينة على العبادة لأنّ خضوع الولد أمام والده ، والتلميذ أمام أستاذه لا يعدّ عبادة مهما بالغوا في الخضوع والتذلّل ما داموا لا يعتقدون بكونهم أربابا من دون الله تعالى ، وقد أشار القرآن إلى أن مسألة الخضوع والتذلل ليست مطلقا عبادة كما حصل لآدم عليهالسلام بخضوع وسجود الملائكة له بقوله تعالى :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (البقرة / ٣٥).
فالآية المباركة واضحة الدلالة في سجود الملائكة لآدم عليهالسلام ، بأمر منه تعالى ولم يحسب سجودهم شركا وعبادة لغير الله تعالى ، ولم تصر الملائكة بذلك مشركين بسجودهم لآدم عليهالسلام ، الذي اعتبروه قبلة لهم وتعظيما وتكريما له عليهالسلام ، لا عابدين له من دون الله تعالى.
وكذا ما ورد في قصة النبي يوسف عليهالسلام مع أخوته عند ما دخلوا عليه بعد فراق طويل قال الله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) (يوسف / ١٠١).
(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (يوسف / ٥).
__________________
(١) مفردات الراغب : ص ٣١٩.
(٢) لسان العرب : ج ٣ ص ٢٧٢.