وأما الصفات السلبية التي تسمى بصفات (الجلال) فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الإمكان (١) عنه ، فإن سلب الإمكان لازمه ، بل معناه سلب السمية والصورة والحركة والسكون والثقل والخفة وما إلى ذلك ، بل سلب كل نقص.
ثم إنّ مرجع سلب الإمكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود ، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية ، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الأمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية) ، والله تعالى واحد من جميع الجهات لا تكثر في ذاته المقدّسة ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.
ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبيّة ، لما عزّ عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته ، فتخيّل أن الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب ليطمئن إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثرها ، فوقع بما هو أسوأ ، إذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود ، والفاقدة لكل نقص وجهة إمكان ، جعلها عين العدم ومحض السلب ، أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلّات الأقلام.
كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أن صفاته الثبوتية زائدة على ذاته ، فقال : بتعدد القدماء ووجود الشركاء لواجب الوجود ، أو قال بتركيبه تعالى على ذلك ... قال مولانا أمير المؤمنين وسيد الموحّدين عليهالسلام : (وكمال الإخلاص له نفي الصفات (٢) عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصفه سبحانه فقد قرنه (٣) ، ومن قرنه فقد ثنّاه (٤) ، ومن ثنّاه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله.
* * *
__________________
ـ الإضافية متقوّمة بطرفين : الخالق والمخلوق والرازق والمرزوق فلهذه الصفات معان اعتبارية لا حقائق عينيّة ، إذ ليس في الخارج إلّا وجود الواجب والكل متعلق وقائم به تعالى.
(١) «الإمكان» : الحدوث.
(٢) المراد من «نفي الصفات عنه» أي ليست صفته مغايرة لذاته تعالى بل هي عين الذات.
(٣) أي من وصف ذاته بأنها غير الصفة فقد قرن ذاته بشيء غيرها.
(٤) أي جعله اثنين : صفة وذات وكلاهما متغايران.