بالحقيقة وقد ثبت أن وحدته الحقة ليست مبدأ الاعداد وواحد الأفراد والآحاد وهو محال.
وعلى هذا يجب أن لا يكون محصورا في شيء ولا يخلو عنه شيء فلا يكون في أرض ولا في سماء ولا يخلو عنه أرض ولا سماء ، كما ورد في الحديث : «لو دلّيتم بحبل على الأرض السفلى لهبط على الله» ، ولهذا قال عليهالسلام : «ومن قال : فيم فقد ضمنه ومن قال: على م فقد أخلى منه» تصديقا لقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ، وقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) (المجادلة / ٨) ، وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، وقوله في الحديث القدسي : «كنت سمعه وبصره ويده» ، وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنه فوق كلّ شيء وتحت كلّ شيء قد ملأ كلّ شيء عظمته فلم تخل منه أرض ولا سماء ولا برّ ولا بحر ولا هواء» ، وقد روي أنّ موسى قال : أقريب أنت فأناجيك أم بعيد أنت فأناديك؟ فإني أحسّ حسن صوتك ولا أراك فأين أنت؟ فقال الله : «أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وشمالك أنا جليس عند من يذكرني ، وأنا معه إذ دعاني» ، وأمثال هذا في الآيات والأحاديث كثيرة لا تحصى.
تتمة وتبصرة : وممّا يجب التنبيه عليه أنّه ليس معنى نفي الصفات عنه تعالى أنها غير متحققة في حقّه تعالى ليلزم التعطيل كيف؟! وهو منعوت بجميع النعوت الإلهية والأسماء الحسنى في مرتبة وجوده الواجبي ، وجلّ جناب الحقّ عن فقد وعدم لصفة كمالية ، بل المراد أنّ أوصافه ونعوته كلّها موجودة بوجود واحد هو وجود الذات كما أنّ ذاتيات الماهيّة لنا موجودة بوجود واحد شخصي ، لكن الواجب لا ماهية له إذ لا جهة إمكانية فيه. فالعالم الربوبي عظيم جدّا وهو الكلّ في وحدة. فتلك الصفات الإلهية كثيرة بالمعنى والمفهوم ، واحدة بالهويّة والوجود ، بل للحق (سبحانه) بحسب كل نوع من أنواع الممكنات صفة إلهية هي ربّ ذلك النوع ومبدؤه ومعاده وله بحسب كلّ يوم شأن من شئون ذاتية ، وتجليّات في مقامات إلهيّة ومراتب صمديّة ، وله بحسب تلك الشئون صفات وأسماء ، كما يكاشفه «العرفاء» الكاملون.
ولهذا قالوا : أول كثرة وقعت في الوجود وبرزخ بين الحضرة الأحديّة الذاتية وبين كثرة الممكنات والمظاهر الخلقية للصفات ، هي كثرة الأوصاف والأسماء