الدليل الأول :
العلم بالعلة علم بالمعلول.
والمراد من العلم ب «العلة» العلم بالحيثية التي صارت مبدأ لوجود المعلول وحدوثه ، مثال ذلك :
الطبيب الحاذق العارف بأحوال القلب وأوضاعه يقدر على التنبؤ بما سيصيب المريض في مستقبل أيامه ، وليس هذا العلم إلّا من جهة علمه بالعلة من حيث هي علة.
وهنا هكذا فإنّ العالم بأجمعه معلول لوجوده تعالى وليس له علة إلّا ذاته المقدّسة ، فالعلم بالذات علم بالحيثية التي هي سبب لتحقق العالم وتكوّنه ؛ فعلمه تعالى بذاته مستلزم للعلم بمخلوقاته قبل إيجادها لأن فاعليته تعالى لما عداه بنفس ذاته لا بخصوصية طارئة وجهة زائدة عليها أو منضمة إليها.
قال صدر المتألهين :
«لما ثبت كون الواجب تعالى عالما بذاته ، لا شك أنّ ذاته علة مقتضية لما سواه على ترتيب ونظام فإنه مقتض بذاته للصادر الأول وبتوسطه للثاني وبتوسطهما للثالث وهكذا إلى آخر الموجودات ، فيلزم كونه تعالى عالما بجميع الأشياء على النظام الأتم فكان علمه بجميع ما عداه لازما لعلمه بذاته ، كما أن وجود ما عداه تابع لوجود ذاته» (١).
وقال في موضع آخر :
«إن ذاته سبحانه لمّا كانت علّة للأشياء ـ بحسب وجودها ـ والعلم يستلزم العلم بمعلولها ، فتعلقها من هذه الجهة لا بدّ أن يكون على ترتيب صدورها واحدا بعد واحد»(٢).
الدليل الثاني :
لو سلّمنا أنه تعالى لا يعلم بالأشياء إلّا حين إيجادها (حاشاه عزّ شأنه) يلزم منه أن يكون للأشياء فيه تأثير ، ويكون بسبب الأشياء بحال لم يكن من قبل على ذلك الحال ، فلا يكون واجب الوجود بالذات وواجب الوجود من جميع الجهات.
__________________
(١) الأسفار : مج ٨ ص ١٧٩.
(٢) الأسفار : مج ٨ ص ٢٧٥.