الأول : أنه سبحانه وتعالى واحد فلا يكون علّة للمتكثّر ، لأنه أحديّ الذات وأحديّ الصفات ، ويلزم على القول بصدور المعاليل من علة واحدة القول بتكثر الذات مما يستدعي منه القول بتركيب ذاته المفروض كونها بسيطة مما يعني أنه ممن محتاج إلى أجزائه ، فحتى نخرّج الذات من الكثرة لا بدّ من القول أنه لم يصدر منه إلّا واحد شخصي أعني المعلول الأول المعبّر عنه بالعقل الأول وهو مجرّد عن الجسمية والمواد في ذاته ثم إن ذاك العقل صدر عنه عقل ثان ثم صدر من الثاني عقل ثالث ، والثالث صدر منه عقل رابع إلى العقل العاشر ، فالسابق يصدر منه لاحق ، والعاشر يسمّى عندهم بالعقل الفعّال.
الثاني : لو صدرت معاليل عدة من علة واحدة لزم عدم السنخية بين العلة والمعلول بمعنى أن وجود معلولات متكثرة يستدعي وجود علل متكثرة ، والفرض أنه يوجد علة واحدة لهذه الكثرات ، وهذا مؤشر على عدم وجود سنخية بين العلة والمعلول بمعنى أنه يلزم صدور المباين عن مباينه وهذا مستحيل بضرورة العقل.
ينقض على الوجهين بما يلي :
أولا : على القول بالوحدة الشخصية ـ بمعنى أنه لا يصدر منه تعالى إلّا واحد شخصي ـ يلزم منه إثبات العجز للمولى سبحانه عن خلق أو صدور واحد آخر شخصي عنه ، وهذا يستدعي العجز في القدرة وهو منزّه عن ذلك.
ثانيا : إن هذه القاعدة «الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد» لو تمّت فإنما تتم في الفاعل الذي ليس له اختيار ، أما من له الاختيار والإرادة كالمولى عزّ شأنه فما وجه الإشكال لو تعددت آثاره؟!
ثالثا : إن القول بالوحدة النوعية (أي المعاليل المتعددة الصادرة عن علة واحدة) لا يعني إنكار السنخية بين العلة والمعلول ، والمراد بالسنخية جهة المناسبة والحيثية بينهما ، وذلك لأنه لا مؤثر في الوجود إلّا الله تعالى ، وهذه الكثرة ليست منافية للوحدة بل الكثرة مؤكدة للوحدة ، قال تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر / ٥١) وحيث إنّ رحمته وسعت كل شيء ، استدعت هذه الرحمة أن يرتبط بها كل الكثرات لتمام بساطته ووحدته المحيطة والمستوعبة لجميع الموجودات (أي الكثرات) التي هي مواد عرضية موجودة بالتبع ، وبعبارة مختصرة :
«إن الوحدة في الكثرة ، والكثرة في الوحدة».