وكالماهية والوجود ، فكل موجود مركّب من ماهية ووجود ، فالماهية فصل ، والوجود جنس ، فلو افترضنا أنه تعالى مركّب يعني أن له ماهية ووجودا ، وماهيته غير وجوده ، فالماهية تبيّن مرتبة الوجود كالجماد والنبات والحيوان وغيرها كما أن الوجود يحكي عن عينيّته الخارجية التي تطرد العدم.
والمركّب بكلا معنييه مفتقر إلى جزئه لامتناع تحقق المركّب وتشخصه خارجا وذهنا بدون جزئه ، وجزؤه غيره لأنه يسلب عنه فيقال : الجزء ليس بكل ، وما يسلب عنه الشيء فهو مغاير له ، فيكون المركّب مفتقرا إلى الغير فيكون ممكنا ، فلو كان الله جلّت عظمته مركّبا لكان ممكنا وهو محال.
وببيان آخر :
«إن الواجب حقيقته إنيّة محضة فلا ماهية له ، وكل ما لا ماهية له لا جزء له ذهنا ولا خارجا ، أي أنه تعالى مسلوب عنه الأجزاء العقلية ، وما تسلب عنه الأجزاء العقلية يسلب عنه الأجزاء الخارجية ، إذ كل بسيط في العقل بسيط في الخارج دون العكس ، وإنما نفيت عنه الأجزاء العقلية إذ لو كان له جنس وفصل لكان جنسه مفتقرا إلى الفصل لا في مفهومه ومعناه ، بل في أن يوجد ويحصل بالفعل فحينئذ نقول :
ذلك الجنس لا يخلو إما أن يكون وجودا محضا أو ماهية غير الوجود ، فعلى الأول يلزم أن يكون ما فرضناه فصلا لم يكن فصلا ، إذ الفصل ما به يوجد الجنس ، وهذا إنما يتصور إذا لم يكن حقيقة الجنس حقيقة الوجود ، وعلى الثاني يلزم أن يكون الواجب ذا ماهية ، وقد مرّ أنه نفس الوجود وحقيقته بلا شوب ، وأيضا لو كان للواجب جنس كان مندرجا تحت مقولة الجوهر وكان أحد الأنواع الجوهرية فيكون مشاركا لسائر الأنواع الجوهرية في الجنس العالي ، وقد ثبت أن إمكان النوع يستلزم إمكان الجنس المستلزم لإمكان كل واحد من أفراد ذلك الجنس من حيث كونه مصداقا له ، إذ لو امتنع الوجود على الجنس من حيث هو جنس ـ أي مطلقا ـ لكان ممتنعا على كل فرد ، فإذن يلزم من ذلك إمكان الواجب ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا» (١).
__________________
(١) الأسفار : ج ٨ ص ١٠٣.