سبحانه اعتبر من باب الفضل عمل العباد ملكا لهم ثم بعد فرض ملكيّتهم لعملهم جعل ما يثيبهم في مقابل عملهم أجرا له كما ورد في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) حيث عدّه سبحانه بعد التفضّل المذكور واعتبار مالكيتهم يستحقون الثواب بالإطاعة» (١).
لكن يرد على المستشكل :
إنّ التفضل أعمّ من الاستحقاق ، إذ قد يتفضّل سبحانه على غير المستحق كتفضّله على المذنبين بالعفو والرحمة ، فهم ليسوا مستحقين لنيل الرحمة إلّا أن جوده ورحمته ورأفته اقتضت أن يتفضّل عليهم بالعفو والمغفرة ، فالتفضل من لوازم عدله وحكمته ، وسبب عفوه عن المذنب التارك للعمل هو من أجل ما يحمل هذا المذنب من اعتقاد قلبي ، فغير المعتقد بالله وبرسوله وما أنزل على رسوله من اعتقادات حقه لا سيما المتعلقة بولاية العترة الطاهرة ، لا يكون مشمولا للعفو والتفضل.
فالمستحق للثواب بمقتضى عدله إنما هم المخلصون من أوليائه وأنبيائه وأما من دونهم فإن الرحمة تشملهم تفضلا لا استحقاقا لأنّ المرء ما لم يصل لمرحلة الخلوص الكلي فلا يستحق الثواب إلّا رأفة ورحمة به منه تعالى ، لأنه بحسب ما ارتكب من الذنوب وعدم إتيانه لأجزاء العبادات كما هي عليه واقعا يستدعي أن ينال من الرحمة بمقدار ما توجّه للباري بالعبادة ، وهذا ما أشارت إليه كلماتهم صلوات الله عليهم أجمعين ، فها هو أمير المؤمنينعليهالسلام يعلّم عباد الله كيف يتصاغرون أمام العظمة الإلهية قال عليهالسلام :
«اللهم أحملني على عفوك ولا تحملني على عدلك» (٢).
وقال سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين عليهالسلام :
«اللهم خلّصني مما يحكم به عدلك ... فإنك إن تكافني بالحق تهلكني» «اللهم إن تعذبني هو يا رب منك عدل».
«يا من ضمن لهم إجابة الدعاء ويا من وعدهم على نفسه بتفضّله حسن الجزاء ...».
__________________
(١) بداية المعارف : ص ١٠١.
(٢) موضوعات نهج البلاغة : ص ١٣٢.