الأول : المد المعتزلي القائل بتحكيم العقل على الشرع وإخضاعهم الدين له حتى صاروا يؤولون بعض ما لا ينطبق من الشرع على أصولهم العقلية ، فصار ذلك الإفراط دافعا للأشعري إلى التفريط والتورّط في مغبة إعدام العقل ورفضه من ساحة الإدراك على الإطلاق.
الثاني : تبريرهم لمسألة الجبر ، وأن الإنسان مجبر على أفعاله ، «وأن الفواحش والقبائح كلها صادرة عنه تعالى لأنه لا مؤثر غيره» (١).
وقد عبّروا عن مسألة الجبر بالكسب بمعنى أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى خيرها أو شرها ، والعبد هو الكاسب أي القابل للخير والشرّ أي أن أفعال العباد لا تتعلق بنا وإنما نحن كالظروف لها ، حتى إن خلق فينا كان وإن لم يخلق لم يكن (٢).
ومما دعا الشيعة والمعتزلة للأخذ بمسألة التقبيح والتحسين العقليين إنما هو لأجل أن العقل حجة باطنية يستدلّ بها على حسن الحسن وقبح القبيح وإلّا لما وهبها الباري للخلق ، وبها استدلّ المشهور منهم على إثبات عدله وحكمته عزوجل ، لكنّ المظفّر (قدسسره) سلك طريقا آخر في الاستدلال على عدله عزّ اسمه ، هذا الطريق هو قاعدة كونه تعالى محض الكمال وتمامه ، بمعنى أن القبيح لا يناسب شأن المولى عزوجل ولا يليق به ، وقاعدة السنخية بين العلة والمعلول تقتضي أن لا يصدر عنه تعالى إلّا ما يناسب ذاته الكاملة والمنزّهة عن كل شين ونقص وإلّا لزم الخلف في كونه محض الكمال وهو محال عقلا. وأيضا فإنّ تحقق القبيح والظلم من دون داع وعلة محال ، لأنّ الداعي إلى فعل القبيح ، إما الحاجة أو العجز عن العدل أو الجهل بالحسن أو العبث وكلها منتفية عن ذاته سبحانه بعد وضوح كونه كمالا مطلقا وغنيا عن كل شيء وقادرا على كل شيء وغير مريد إلا المصلحة ، فتحقق القبيح بعد عدم وجود الداعي والعلة يرجع إلى وجود المعلول بدون العلة وهو واضح الاستحالة.
وعليه فلا حاجة بنظر العلّامة المظفّر في إثبات العدل والحكمة إلى قاعدة التحسين والتقبيح ، وإن كانت هذه القاعدة صحيحة ومحكمة ويترتّب عليها مسائل
__________________
(١) شرح التجريد للقوشجي : ص ٣٧٣ ونهج الحق : ص ٧٣.
(٢) الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ٩١ بتصرف.
والملل والنحل للسبحاني : ج ٢ ص ١٢٨.