لا يستفيد منها ؛ لذا عدّ الله سبحانه بعض الشرور التي هي بنظر الناس شرور محضة ، عدّها وسيلة لنيل الرحمة والرضوان ، قال سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٦) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (البقرة / ١٥٦ ـ ١٥٧).
الوجه الخامس :
إنّ الاختلافات الموجودة في الأصناف والأفراد كالسواد والبياض أو البلادة والذكاء أو النقص والتمام أو الرجولية والأنوثية أو الإنسانية والحيوانية ، كل ذلك لا ينافي العدل ، لأنه كما عرفت «إعطاء كل ذي حق حقه» ومعلوم أنه لا حقّ للشيء قبل خلقته ، فكل ما أعطاه الله تعالى للأشياء فهو فضل لاحق ، وحيث ثبت أنّ كل ما أعطاه الله سبحانه فهو تفضل منه ورحمة ، فالاختلاف فيه لا يعتبر ظلما وإليه يرشد ما روي عن جابر بن يزيد الجعفي قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام :
يا ابن رسول الله إنا نرى الأطفال منهم من يولد ميّتا ومنهم من يسقط غير تام ، ومنهم من يولد أعمى وأخرس وأصم ، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط إلى الأرض ، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام ومنهم من يعمّر حتى يصير شيخا فكيف ذلك وما وجهه؟
قال عليهالسلام : إنّ الله تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم وهو الخالق والمالك لهم ، فمن منعه التعمير فإنما منعه ما ليس له ، ومن عمّره فإنما أعطاه ما ليس له ، فهو المتفضّل بما أعطى وعادل فيما منع (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (الأنبياء / ٢٤) ، قال جابر : فقلت له : يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عمّا يفعل؟
قال عليهالسلام : لأنه لا يفعل إلّا ما كان حكمة وصوابا ، وهو المتكبّر الجبّار والواحد القهّار فمن وجد في نفسه حرجا في شيء مما قضى كفر ، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد(١).
بهذا نعلم أن الاختلافات الحاصلة بين المخلوقات بشتى أصنافها لا تنافي قانون العدالة الإلهية ، لأنه لو لا هذه الاختلافات لما استقرّ النظام المادي
__________________
(١) نور الثقلين : ج ٣ ص ٤١٩ ح ٣٣.