وأما الظاهرية فتتمثل بالحجج المذكورة آنفا حيث بهم يحتج المولى على خلقه لئلا يقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (طه / ١٣٥).
ورد عن هشام بن الحكم قال :
جاء زنديق إلى الإمام الصادق عليهالسلام وسأله :
من أين أثبتّ الأنبياء والرسل؟
قال عليهالسلام : إنّا لما أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أنّ له سفراء في خلقه ، يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبّرون عنه جلّ وعزّ وهم الأنبياء عليهمالسلام وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها غير مشاركين للناس ـ على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ـ في شيء من أحوالهم مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته (١).
زبدة المخض :
بعد عرض هذه المقدمة الوجيزة نقول :
لا يكون التكليف ـ الذي هو حكم الله من الحلال والحرام ـ واجبا إلّا بعد إتمام الحجة الباطنية عليهم ، لذا فإنه سبحانه لا يكلّف المجانين والقاصرين وأشباههم ، كما أنه لا يكلّفهم إلّا بعد أن يرسل إليهم السفراء والحجج لأنّ تكليفهم قبل ذلك يعدّ ظلما عليهم ، إذ كيف يتسنّى لهم امتثال الأوامر والانزجار عن النواهي وهم عاجزون عن معرفتها والإحاطة بها ، ولا تكون المعرفة إلّا بسفير يكون همزة وصل بين السماء والأرض. قال أبو عبد اللهعليهالسلام :
حجة الله على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل (٢).
__________________
(١) الكافي الشريف : ج ١ ص ١٦٨ ح ١.
(٢) نفس المصدر : ج ١ ص ٢٥ ح ٢٢.