كعادتهم في مثل هذه المطالب يتناولون طرفا منها لحكمة لم نطّلع عليها.
وهذا المعنى من التفويض له معنيان :
الأول : أن نقول انهم عليهمالسلام يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون بقدراتهم وإراداتهم فهم الفاعلون لها حقيقة من دون استعانة بالقدرة الإلهية ، وهذا واضح الفساد وهو عين الكفر وقد دلّت الأدلة العقلية على استحالته.
الثاني : إنّ الله تعالى يفعل هذه الأمور مقارنا لإرادتهم ، وقد حصره المجلسي في المعجزات كشقّ القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات ، قال : إن كل ذلك مما يقع بقدرته سبحانه مقارنا لإرادتهم لظهور صدقهم فلا يأبى العقل من أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ثم خلق كل شيء مقارنا لإرادتهم ومشيتهم ، وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحا لكن الأخبار الكثيرة مما أوردناها في كتاب بحار الأنوار يمنع من القول فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صريحا ، مع أن القول به ـ قول بما لا يعلم ...» (١) فحمل المجلسي «قدّس سره» المعجزات الصادرة عنهم من قبيل استجابة الدعاء.
ولكن الحق أن يقال :
ليس هناك أي دليل عقلي أو نقلي ينفي هكذا معنى من التفويض ما دام الولي له السلطنة الإلهية بقدرة الله تعالى على إيجاد كل أمر كان في طي العدم ، وليس إسرافيل الموكل بالأحياء وعزرائيل الموكّل بالإماتة بأعظم من الولي الأكبر والحجة العظمى على من في الأرض والسماء ما دام عملهما بقدرة الملك العلّام.
قال العارف الكبير السيد العلّامة روح الله الخميني (قدسسره) :
«لا بدّ من معرفة أنه لا فرق أبدا في التفويض المستحيل المستلزم لمغلولية يد الله وفاعلية قدرة العبد وإرادته بصورة مستقلة بين الأمور العظيمة أو الحقيرة. كما أنّ أمر الإحياء والإماتة والإيجاد والإعدام ، وتحويل عنصر إلى آخر لا يمكن أن يفوّض لموجود ، حتى أن تحريك قشة أيضا لم يمكن أن يفوّض لا إلى ملك مقرّب ولا إلى نبي مرسل ولا إلى كائن ابتداء من العقول المجرّدة القاطنة في الجبروت الأعلى إلى المادة الهيولى الأولى ، وإنّ ذرات الكائنات بأسرها مسخّرة
__________________
(١) مرآة العقول : ج ٣ ص ١٤٣.