المرتبتين وقلنا أن المولى مقامه في المولوية والعبد مقامه في الرقيّة وأن العبد إنما يملك في ملك المولى ، فالمولى ملك في عين أن العبد مالك ، فهنا ملك على ملك كان ذلك القول الحق الذي رآه أئمة أهل البيت عليهمالسلام وقام عليه البرهان (١).
وبهذا يتضح أنّ قدرة العبد وتمكّنه من الفعل أو الترك منضوية تحت قدرة وتملّك المولىعزوجل ، وليست ملكية العبد وقدرته عرضية حتى يوجب الشرك وإنما هما ـ التملك والقدرة ـ مفاضان على العبد بالملكية والقدرة الطولية فالأعمال الصادرة عن البشر أو المكلفين بشكل عام كالجن والشياطين ، هذه ليست مستندة إليه تعالى وحده بحيث لا يكون للمكلّف أي تأثير فيها كما يقول المجبرة ، كما أنها ليست مستندة إلى الإنسان وحده بحيث يخرج المولى عن سلطانه وقدرته كما يقول المفوّضة ، بل الأفعال في عين كونها مستندة إلى الإنسان بالحقيقة لصدورها عنه بالاختيار مستندة إليه تعالى لأنه معطي الوجود والقدرة ، فالاستناد إليه تعالى طولي وملكيته ملكية طولية كما أشار إلى ذلك مولانا الإمام الرضاعليهالسلام حينما قال :
«... هو المالك لما ملّكهم والقادر على ما أقدرهم عليه» (٢) ، إذن فمشيئة العبد متفرعة من مشيئة الرب ، وسلطنة العبد فرع سلطنة المولى ، وقد أشار القرآن المجيد إلى هذا المعنى في العديد من الآيات منها :
١ ـ قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان / ٣١).
فالآية تثبت أنه لا مشيئة للعبد إلا بمشيئة الله تعالى ، فالنفي يفيد أن مشيئة العبد متوقفة في وجودها على مشيئة الله تعالى ، فلمشيئة الله تعالى تأثير في فعل العبد من طريق تعلّقها بمشيئة العبد ، وليست متعلقة بفعل العبد مستقلا وبلا واسطة حتى تستلزم بطلان تأثير إرادة العبد وكون الفعل جبريا ، ولا أن العبد مستقل في إرادته يفعل ما يشاء ، سواء شاء الله أم لم يشأ ، فالفعل اختياري لاستناده إلى اختيار العبد ، والدليل عليه قوله : (وَما تَشاؤُنَ) فأثبت سبحانه أن للعباد مشية وقدرة إلّا أنها طولية كما ذكرنا.
__________________
(١) تعليقة صاحب الميزان على البحار : ج ٥ ص ٨٣.
(٢) البحار : ج ٥ ص ١٦.