والفيض الإلهي.
المقدمة الثانية :
وهي التي تفيض من العباد عند فرض وجود المقدمة الأولى ، فهي مرتبطة بها في واقع مغزاها ومتفرّعة عليها ذاتا ، فلا يصدر أي فعل من العبد من دون تحقق المقدمتين ، فإذا انتفت إحداهما فلا يعقل صدور أي فعل ، وهذا أمر واضح وعلى هذا الأساس صحّ إسناد الفعل كما صحّ إسناده إلى العبد.
ولتوضيح ذلك نورد المثال التالي :
لو فرضنا إنسانا كانت يده شلاء لا يستطيع تحريكها بنفسه ، وقد استطاع الطبيب أن يوجد فيها حركة إرادية وقتية بواسطة قوة الكهرباء ، بحيث أصبح الرجل يستطيع تحريك يده بنفسه متى وصلها الطبيب بسلك الكهرباء ، وإذا انفصلت عن مصدر القوة لم يمكنه تحريكها أصلا ، فإذا وصل الطبيب هذه اليد المريضة بالسلك للتجربة مثلا ، وابتدأ ذلك الرجل المريض بتحريك يده ومباشرة الأعمال بها ـ والطبيب يمدّه بالقوة في كل آن ـ فلا شبهة في أن تحريك الرجل يده في هذه الحال من الأمر بين الأمرين ، فلا يستند إلى الرجل مستقلا لأنه موقوف على إيصال القوة إلى يده وقد فرضنا أنها بفعل الطبيب ولا يستند إلى الطبيب مستقلا لأنّ التحريك قد أصدره الرجل بإرادته ، فالفاعل لم يجبر على فعله لأنه مريد ، ولم يفوّض إليه الفعل بجميع مباديه ، لأنّ المدد من غيره ، والأفعال الصادرة من الفاعلين المختارين كلها من هذا النوع ، فالفعل صادر بمشيئة العبد ولا يشاء العبد شيئا إلّا بمشيئة الله(١).
مثال آخر :
لو أنّ مولى من الموالي العرفيّة يختار عبدا من عبيده ويزوّجه إحدى بناته ثم يقطع له قطيعة ويخصّه بدار وأثاث وغير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان في حياته إلى حين محدود وأجل مسمّى ، فإن قلنا أن المولى وإن أعطى لعبده ما أعطى وملّكه ما ملّك فإنه لا يملك ، وأين العبد من الملك ، كان ذلك قول المجبّرة ، وإنّ قلنا أن للمولى بإعطائه المال لعبده وتمليكه جعله مالكا وانعزل عن المالكية كان الملك هو العبد كان ذلك قول المعتزلة ولو جمعنا بين الملكين بحفظ
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن للخوئي : ص ٨٨.