والمطلق من دون الفحص عن المحكم أو الخاص والمقيّد ، إضافة إلى إعمال المرجحات الدلالية أو السندية لو وجد تعارض في النصوص كما هو ظاهر هنا مع أننا قادرون على الجمع بوجوه :
الوجه الأول :
لو سلّمنا بصحة أسانيد الطائفتين وبعضها قطعا صحيح فمع ضم الثانية إلى الأولى المجوّزة تحمل الثانية على النهي الإرشادي لأن دلالتها على الحرمة التكليفية غير واضحة ، وذلك لأنّ لسانها عدم التعمّق لئلا يؤدّي إلى مفسدة لا تحمد عقباها كما هو مفاد قوله «بأنه سر الله مطوي عن خلق الله» ، فهو مقدّر محجوب عن العباد الاطّلاع عليها إلّا للأوحدي ومن ابتغى الإشراف الكامل عليها فقد ضاد الله في حكمه ونازعه في سلطانه.
الوجه الثاني :
لو كان لحن تلك الروايات الناهية هو الحرمة التكليفية فلا بدّ من أن يكون مخصوصا بمن لا يتمكن من فهمها ودركها تفصيلا ، وأما من تمكّن من ذلك فلا نهي متوجه إليه ، لعدم وجود شرطه.
الوجه الثالث :
أن يكون النهي عن الكلام فيهما محمولا على النهي عن الخوض فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعمّا أمر به ، وعن القول في علل ذلك لأنه سبحانه سترها عن أكثر خلقه ألا ترى أنه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا مفصّلات فيقول لم خلق كذا وكذا؟ (١).
بل على الإنسان المؤمن بالقضاء والقدر أن ينظر إلى كل ما قدّره له الباري وقضاه بعين الحكمة والمصلحة ، إذ لا يصدر منه سبحانه إلّا الصواب والخير وإن لم يظهر وجهه لأحد إلّا لخلّص عباده ، فإذا أراد سبحانه الصحة لأحد كانت هي مصلحته ، وإذا أراد لآخر المرض كان هو مصلحته وهكذا في سائر الأحوال من الفقر والجوع وغير ذلك مما يستتبع وراءه المصلحة والحكمة حتى ينتهي الفرد المؤمن المعتقد بهما إلى مقام الرضا والتسليم لكل ما اختاره له الباري وهو مقام شامخ لا يناله إلّا وحيد دهره وفريد عصره.
__________________
(١) تصحيح الاعتقاد : ص ٥٧ والبحار : ج ٥ ص ٩٩.