كما في قصة إسماعيل لمّا رأى أبوه إبراهيم أنه يذبحه ، فيكون معنى قول الإمام عليهالسلام أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء ، كما ظهر له في إسماعيل ولده إذ اخترمه قبله ليعلم الناس أنه ليس بإمام ، وقد كان ظاهر الحال أنه الإمام بعده لأنه أكبر ولده.
وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبيناصلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم.
* * *
أقول : إنّ البداء من العقائد الجليلة عند الشيعة الإمامية الذين أغنوا مكتبة الإسلام بعقائدهم التي ورثوها بالمنطق والدليل عن العترة الطاهرة ، ويكفيك للتدليل على ذلك أن المعتزلة قوم أخذوا جلّ عقائدهم من تلامذة أمير المؤمنين عليهالسلام. أما الترهات التي آمن بها المعتزلة فلا علاقة للإمامية بها أصلا.
ومسألة البداء المرتكزة على أسس فكرية متينة لم تستأهل أن يتقبلها العامة مع ما لها من جذور قرآنية وما لأهميتها على الصعيدين النظري والعملي لدى الفرد المسلم ، لذا نرى الإنكار الشديد من قبل مفكري العامة على القائلين بها واتهامهم الشيعة أنهم ـ بقولهم بالبداء ـ ينسبون الجهل إليه تعالى في حين أن كتب المتقدمين منهم كالصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم واضحة البيان في تبيين مراد الشيعة من مسألة البداء ، وما ذاك الإنكار إلّا حصيلة التّعصب الأعمى والبغض الذي يبيتون للإمامية ، ولو أنهم وقفوا على ما نقول في هذه المسألة بعين الإنصاف لتجلّي لهم الحق بأجلى مظاهره ولدعوا إلى البداء كما تدعو إليه الإمامية.
يروي العلّامة السبحاني دام حفظه أنّ أحد علماء السنّة سأله عن حقيقة البداء فأجابه الشيخ بإجمال فتعجب ذلك العامي عن اتقان معناه غير أنه زعم أن ما ذكره السبحاني ما هو إلّا نظرية شخصية لا صلة لها بنظرية البداء عند الإمامية فطلب منه كتابا لقدماء علماء الإمامية فدفع إليه كتاب أوائل المقالات وشرح عقائد الصدوق فقرأهما بدقة وجاء بعد أيام وقال :
لو كان معنى البداء هو الذي يذكره صاحب الكتاب فهو من صميم عقيدة أهل السنّة (١).
__________________
(١) الشيعة الإمامية في عقائدهم للسبحاني : ص ١٠١.