على الشيء بحسب ما يستتبعه من مقتضيات وأسباب تحتم بروزه وظهوره خارجا ، ومنه ما ورد عنهم عليهمالسلام حيث قالوا :
«ما بعث الله نبيا حتى يقرّ له بالبداء» أي يقرّ له بقضاء مجدّد في كل يوم يظهره للعباد بعد أن كان مخفيا عنهم ، وإظهاره لهم بحسب ما يستتبع ذلك من المصالح التي لم تكن ظاهرة لديهم.
ويستدل على المعنى الثاني بوجهين :
الوجه الأول : العقل :
حيث يحكم بأنه تعالى لو كان عالما بالشيء بعد أن كان جاهلا به لدلّ ذلك على النقص في ذاته فتصير محلا للحوادث والتغيرات فيخرج من حظيرة الوجوب إلى مكانة الإمكان ، إضافة إلى أن العلم من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الذات ، فإذا قلنا أنه كان جاهلا (حاشاه عزّ ذكره) لخلت ذاته من العلم مما يستلزم انفكاك الصفة الذاتية عن الذات وهو مستحيل لأنّ الانفكاك علامة الفقر والحاجة وخلو الذات عن العلم.
الوجه الثاني : النقل :
حيث ثبت بالبراهين العقلية والقرآنية أنه تعالى محيط بكل شيء فإن قلنا أنه سبحانه غير عالم ثم علم لكان خلاف ما ورد أنه محيط بكل شيء.
والآيات الدالّة على إحاطة علمه تعالى كثيرة منها :
(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (آل عمران / ٦).
(وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (إبراهيم / ٣٩).
هذا إذا فسرنا البداء بمعنى القدر ، وإن فسرناه بمعنى الإظهار بعد الخفاء فلقوله تعالى:
(فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ) (التحريم / ٤).
سواء أظهره تعالى عليه في عالم الأرواح أم بعده ، فالمهم أنه سبحانه أطلع نبيه على أمر كان خافيا عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(الم (٢) غُلِبَتِ الرُّومُ (٣) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٤) فِي بِضْعِ سِنِينَ) (الروم / ٢ ـ ٥) هنا أطلع نبيه أن الروم سيغلبون بعد سنين.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (محمد / ٣٢)