أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابني (١).
فيكون مفاد الروايتين : أنه ما ظهر لله ظهورا بيّنا كما ظهر له في كذا وكذا ، وهذا دليل على ظهور الأمر لله تعالى بعد خفائه عنه «تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا» فكيف يمكن توجيه هذه النصوص التي وردت فيها كلمة «بدا لله» والتي تقول الشيعة أن البداء عبارة عن الإظهار لا الظهور؟
والجواب :
أولا : «بدا» بمعنى أظهر مبني كما قلنا آنفا على التنزيل والمشاكلة.
ثانيا : أن لفظة «بدا» الواردة في النصين الآنفين قد تستعملان بمعنى : تحقيق ما علم في عالم الكون والوجود نظير كلمة «علم» في قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ).
والمقصود : ليتحقق معلومنا ويتجسد في عالم الوجود (٢).
ولكن سواء فسّرنا «بدا» بمعنى التحقق أو الإظهار فالمعنى واحد والخلاف لفظي ، فبدا أي بمعنى أظهر للناس خارجا أي تحقق لديهم ما لم يكونوا يحتسبون.
ولنرجع إلى ما كنّا بصدد بيانه في هذه النقطة فنقول :
إنّ البداء نوعان :
تكويني وتشريعي :
فالبداء التكويني : هو تكشّف أمر مادي للعباد لم يكن مكشوفا لهم من قبل ، فالبداء التكويني متعلق بعالم الوجود الخارجي ومتعلقاته كالصحة والمرض والفقر والغنى والجوع والعطش والحوادث الكونية الخارجية.
البداء التشريعي : هو إظهار حكم شرعي لاحق على حكم سابق انتهى حكمه بانتهاء أمده وزمانه.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤ ص ١٢٢ ح ٦٨ رواه عن كتاب زيد النرسي المجهول.
(٢) الصحيح من السيرة للسيد جعفر مرتضى : ج ٢ ص ٥٩.