فإذا وقفت على معنى البداء الصحيح الذي تعتقده الإمامية فسوف تدرك ضعف ما نسبه الرازي للشيعة الإمامية في تلخيص المحصّل (١) : قال : إنّ أئمة الرافضة وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظفر معهما أحد عليهم :
الأولى : البداء ـ فإذا قالوا : أنه سيكون لهم قوة وشوكة ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا : بدا لله تعالى فيه.
الثانية : التقية ـ فكلما أرادوا شيئا تكلموا به ، فإذا قيل لهم هذا خطأ أو ظهر لهم بطلانه ، قالوا : إنما قلناه تقية.
ينقض عليه :
أولا : لا ندري من أين أخذ الرازي هذا التفسير للبداء مع أن كتب علماء الإمامية لا سيما المتقدمين منهم كالصدوق والمفيد والطوسي (هؤلاء الثلاثة كانوا متقدمين على الرازي) كتبهم مشحونة بالتبري من البداء المستحيل عليه تعالى ، وكان الأحرى بالرازي أن ينظر هو وأمثاله بعين الإنصاف لا الاعتساف إلى ما قاله الإمامية في عصره أو ما قبله لا سيما مع وجود عالم (٢) من علماء الإمامية كان معاصرا للرازي في بلدته الري ، إضافة إلى أن المسافة بين مدنية الري (التي كان يقطنها الرازي) وقم حدود ١٧٠ كيلومترا فلم لم يتباحث المذكور مع علماء قم قبل أن يصدّر اتهاماته البغيضة على الشيعة.
ثانيا : ليس الشيعة هم المتفردين بالقول بالبداء الصحيح فقد ورد في أخبار العامة ما يدلّ على البداء بالمعنى الذي قالت به الشيعة ، فقد رووا أن النبي قال بشأن الأقرع والأبرص والأعمى : بدا لله عزوجل أن يبتليهم أي قضى بذلك (٣) ، وهو معنى البداء هاهنا لأن القضاء سابق.
ثالثا : ادعاؤه أنّ الشيعة يأخذون بالتقية مطلقا ، هذا غير صحيح بل كذب وافتراء لأن الشيعة كغيرهم من الشعوب والأمم التي تعمل بالتقية حال خوف الضرر على النفس أو العرض حتى الرزي نفسه يعمل بالتقية حال الخوف ، والعمل بها قد شرّعه الله سبحانه في كتابه الكريم وقامت عليه الأدلة العقلية
__________________
(١) ص ٤٢١.
(٢) هو الشيخ سديد الدين الحمصي مؤلف كتاب «المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد».
(٣) بحار الأنوار : ج ٤ ص ١٢٤ نقلا عن النهاية لابن الأثير.