ويمكن الجواب عمّا ذكره هؤلاء بما يلي :
أولا : إنّ الأنبياء حينما ادّعوا تلقي الوحي منه تعالى ، كان ادّعاؤهم مقرونا في أغلب الأحيان بكشف المغيبات وإظهار المعجزات والكرامات مما يستحيل على غيرهم الإتيان بمثلها ، إضافة إلى أنهم ما كانوا يسعون إلى الشهرة والجاه بل كانوا في كل حالاتهم يدعون إلى الزهد والتبتل إليه تعالى ولم نجد واحدا منهم دعا إلى زخارف الحياة الفانية بل كانت سيرتهم دائما التقشف والبساطة ، وكانوا محاربين ومطاردين ومشردين.
ثانيا : إنّ التخييل دائما لا ينتج الاطّلاع على الواقع بل هو محض اللاواقع لأنّ الخيال هو مخزن الصور المحسوسة المأخوذة من الحس المشترك الذي هو عبارة عن القوة المدركة للصور الآتية من الحواس الظاهرة ، فأغلب الصور المدّخرة في الخيال هي صور باطلة لا سيما التي تتعلق بالمستقبل ، فإذا كان التخييل مقتصرا على الصور المحسوسة الواردة على العقل فأين هذا من التنبؤ الذي هو عبارة عن الإخبار عن الماضي والحاضر والمستقبل والصور المحسوسة والغائبة عن الحس أيضا.
ثالثا : إنّ الوحي عبارة عن انسلاخ البدن عن الروح ، والانسلاخ يعني التجرّد عن المادة تجرّدا تاما ليشاهد من آيات ربّه الكبرى ، وهذا بعكس التخييل فإنه لا يشترط فيه التجرّد عن المادة فقياس التخييل على التنبؤ قياس مع الفارق ، إضافة إلى أنّ الموحى إليه عند نزول الوحي يرى الملك واسطة الوحي ويشاهده ويسمع الصوت ، وأين هذا من التخييل الخارج عن النفس.
قال صدر المتألهين (قدسسره) : «إنّ سبب إنزال الكلام وتنزيل الكتاب هو أنّ الروح الإنسانية إذا تجرّدت عن البدن ، مهاجرة إلى ربها لمشاهدة آياته الكبرى وتطهّرت عن المعاصي والشهوات والتعلّقات ، لاح لها نور المعرفة والإيمان بالله وملكوته الأعلى ، وهذا النور إذا تأكد وتجوهر ، كان جوهرا قدسيّا يسمى عند الحكماء في لسان الحكمة النظرية بالعقل الفعّال ، وفي لسان الشريعة النبوية بالروح القدسيّ.
وبهذا النور الشديد العقلي ، يتلألأ فيها (أي الروح الإنسانية) أسرار ما في الأرض والسماء ، ويتراءى منها حقائق الأشياء ، كما يتراءى بالنور الحسّي البصري الأشباح المثالية في قوّة البصر إذا لم يمنعها حجاب ، والحجاب هاهنا هو آثار