الوجه الثاني :
إنّ الكافر إمّا أن يكلّف بالإيمان مع وجود اللطف أو مع عدمه والأول باطل وإلّا لم يكن لطفا ، والثاني إما أن يكون عدمه لعدم القدرة عليه فيلزم تعجيز الله تعالى وهو باطل ، وإما أن يكون مع وجود القدرة فيلزم الإخلال بالواجب (أي اللطف).
وبتقرير آخر :
لو كان اللطف واجبا فلما يكفر الكافر في حين أنه كلّف بالإيمان ، وهنا هل كان اللطف موجودا فيه أو لا؟
فإذا قلنا أنه كان موجودا فغير صحيح لأنه لو كان كذلك لكان حتما مؤمنا والمفرض أنه صار كافرا ، وأما إذا قلنا أنه لم يكن موجودا فنسأل حينئذ لما ذا لم يتلطّف سبحانه في حقه ، فإذا قلنا أنه تعالى غير قادر نكون قد أثبتنا العجز له تعالى ، وإن كان قادرا على اللطف ولم يفعله يكون قد أخلّ بالواجب.
يجاب عنه :
إنّ الله سبحانه قد تلطّف بالكافر تماما كما تلطّف بالمؤمن على حدّ سواء ، وثبوت اللطف لا يستلزم ثبوت الملطوف فيه وإلّا يلزم أن يكون اللطف موجبا للاضطرار والإلجاء ، وقد قلنا في التعريف أن أحد قيود اللطف هو أن لا يصير إلى حدّ الإلجاء ، فاللطف لا يوجب الإلجاء وإنما مقرّب للطاعة ، ولكنّ الكافر بسوء اختياره لم يؤثّر فيه اللطف وذلك لوجود المعارض عنده أعني سوء الاختيار.
الوجه الثالث :
إنّ الإخبار بأن المكلّف من أهل الجنّة أو من أهل النار فيه مفسدة على المكلّف لكون الإخبار إغراء له على المعاصي وهو ينافي اللطف.
الجواب :
إنّ الإخبار بالجنة ليس إغراء مطلقا لجواز أن يقترن هذا الإخبار بإعلامه بقبح المعصية والنهي عنها فيمتنع عنده من الإقدام عليها باختياره ، وإذا انتفى كونه إغراء على هذا التقدير فيبطل كونه مفسدة على الإطلاق.
وأما الإخبار بالنار فلا يعدّ مفسدة أيضا لأن الإخبار إن كان للجاهل كأبي