دفع وهم :
توهم بعض المعتزلة أن اللطف إذا كان ثابتا في أحد الفعلين على سبيل التخيير لا يلزم كونهما حسنين بل يجوز أن يتصف أحدهما بالحسن والآخر يتصف بالقبح ، وهذا بخلاف ما قال به الإمامية من اشتراط كونهما حسنين ومثّل المعتزلة على مدّعاهم بأن الظالم عند ما يظلم الناس ، وبسبب ظلمه يصير الناس متضرعين إلى الله تعالى ، فاللطف هنا ثبت بين الظلم وبين التوجه إليه تعالى ، وتصوروا أن الظلم نظير الأمراض التي يصيبها الله بعض عباده حيث يسبّب الألم مزيد التوجه إليه تعالى.
ولكنه باطل لوجهين :
الأول : إنّ اللطف واجب كما قرّر آنفا ، والظلم ليس واجبا فكيف يدّعى أن القبيح لطف؟! الثاني : الظلم لا يصير لطفا كما قالوا بل اللطف هو أن يعلم المظلوم أنّ الظالم يظلم ، فاللطف في علم المظلوم بالظلم لا في نفس الظلم كما تقول إن العلم بحسن ذبح البهيمة لطف لنا وإن لم يكن الذبح نفسه لطفا (١).
وفي الختام نوجز القول :
بأنّ اللطف المحصّل هو تهيئة المبادي والمقدمات التي يتوقف عليها غرض الخلقة وصونها عن العبث واللغو بحيث لو لا هذه المقدمات والمبادي لصار فعله تعالى خاليا من الحكمة والهدف ، ويمثّل له ببيان تكاليف الإنسان وإعطائه القدرة على امتثالها ، والذي يقوم بهذه المهمة هم الأنبياء والأولياء عليهمالسلام لضعف الإنسان من أن ينال المعارف الحقة أو يهتدي إلى طريق الآخرة وحده وبعقله من دون استعانة بسفراء الله تعالى.
واللطف المحصّل مما لا نزاع فيه بين جميع من قال بتنزّه الباري عن الخطأ والعبث ، وإنما النزاع في اللطف المقرّب الذي هو عبارة عمّا يكون محصّلا لغرض التكليف حيث لولاه لما حصل الغرض منه وذلك كالبشارات والإنذارات السماوية على لسان السفراء حيث تستتبع بشاراتهم وإنذاراتهم رغبة عند العبد وبعده عن المعصية.
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٥٦.