الصيف بالشتاء وبالعكس (١) ، وكذا ظهور معجزة الحمل بعيسى عليهالسلام من دون أب حيث حملته في بطنها عدّة ساعات ، إضافة إلى طي الأرض لها بعد الولادة حيث ذهبت بوليدها المبارك إلى أرض العراق ودارت به فيها.
وأيضا ظهرت الكرامات على يد وزير النبي سليمان آصف بن برخيا الذي جاء بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين بأقل من طرفة عين ، وكذا ما ظهر من المعجزات الباهرات على أيدي الأئمة الهداة والصدّيقة الطاهرة روحي فداها.
وقد حمل المانعون كلّ ذلك على الإرهاص لا غير.
والجواب :
أولا : إنّ قيام المعجزة على يديها ليست تمهيدا لمجيء عيسى عليهالسلام وإنما نتيجة طاعتها وانقيادها للمولى عزوجل وقد صرّح القرآن الكريم بعصمتها وتسديدها بقوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ...) فليس تطهيره وعصمته لها من باب كونه إرهاصا لمجيء عيسى عليهالسلام ويكفي ما ورد في شأنها أنها سيدة نساء عالمها ، وهذا لا يعتبر إرهاصا لإنجاب عيسى عليهالسلام بل لشدة ارتباطها بالمولى وقربها منه.
فصدور الكرامة عن يديها تماما كصدورها على أيدي بعض العباد الصالحين من أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ ذلك ليس إرهاصا لنبي الإسلام إذ لا نبي بعده بل هو كرامة منه تعالى لبعض عباده الأخيار ، كيف لا والمرء إذا اتّصف بأخلاق المولى انقادت له الكائنات بأسرها ففي الحديث القدسي : «عبدي أطعني تكن مثلي ، تقول للشيء كن فيكون».
وما ورد عن بعضهم عليهالسلام أنه سبحانه قال :
«ما يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وعينه التي يرى بها ويده التي يبطش بها».
ثانيا : إنّ الله تعالى طهّرها وعصمها قبل مجيء عيسى عليهالسلام وقبل بلوغها مكافأة لها سلفا على حسن سلوكها وانقيادها للباري عزوجل ، لأنه سبحانه يعلم قبل أن تخرج مريم إلى عالم الوجود أنها لن تعصيه وكذا بقية المعصومين عليهمالسلام
__________________
(١) نور الثقلين : ج ١ ص ٣٣٢ وتفسير الصافي : ج ١ ص ٣٣٢.