حكيم لا ينقض غرضه ، وحيث إن تجويز الذنب ينفّر الناس عن المرسل ويمنع من الوثوق به مما يستدعي سقوط محله من القلوب وهو نقض للغرض ، فلا يصح صدوره عن الحكيم بل سيد الحكماء.
إشكال :
ما المانع من تجويز الذنوب عليهم قبل البعثة ، فتكون البعثة حينئذ مسقطة للعقاب والذم ولم يبق وجه يقتضي التنفير؟
والجواب :
إنّ العرف لا يفرّق في التنفير بين كونه قبل البعثة وبعدها ، تاب صاحب المعصية عنها أم لم يتب لأنّ المناط واحد وهو عدم سكون النفس إلى من صدرت منه الذنوب وإن تاب منها لهذا لا يكون حال الواعظ للناس ، الداعي لهم إلى الله تعالى وإن تاب من جرائره وذنوبه كحال من لم يعهد منه إلّا النزاهة والطهارة ، ومعلوم ضرورة الفرق بين هذين الرجلين فيما يقتضي السكون والنفور ، ولهذا نجد كثيرا من الناس يعيّرون من يعهدون منه القبائح وإن وقعت التوبة منهم بعد ارتكابها ، حيث يجعلون ذلك عيبا ونقصا وشيئا مؤثرا قادحا في كمالات من عيّروه ، فمناط التنفير عند العرف واحد وإن كان أحدهما أقوى من صاحبه ألا ترى أنّ كثير السخف والمجون والاستمرار عليه والانهماك فيه منفر لا محالة ، وإنّ القليل من السخف الذي لا يقع إلّا في الأحيان والأوقات المتباعدة منفر أيضا وإن فارق الأول في قوة التنفير ولم يخرجه نقصانه عن الأول من أن يكون منفّرا في نفسه.
قد يقال :
كيف تنفّر الصغائر والحال حظها تقليل الثواب وتنقيصه لأن معنى كونها صغائر يعني خروجها من اقتضاء الذم والعقاب ، ومعلوم أنّ قلة الثواب غير منفّرة ألا ترى أن الأنبياء عليهمالسلام قد تركوا كثيرا من المستحبات ولو فعلوها لاستحقوا كثيرا من الثواب ولا يكون تركهم للمستحب منفّرا عنهم؟
قلنا :
إنّ الصغائر لم تكن منفّرة من حيث قلة الثواب معها بل إنما كانت كذلك من حيث كانت قبائح ومعاصي لله تعالى ، ولا يفرّق العرف بقبح المعصية والتنفير