شكل كان مانعا عن الارتقاء إلى الإمامة ، فالاستغراق في ناحية الأفراد يلازم الاستغراق في أقسام الظلم فتكون النتيجة أنّ من صدق عليه أنه ظالم ولو في فترة من عمره يكون ممنوعا من نيل هذا المقام الرفيع» (١).
قد يقال :
إنّ العقل يقبّح الظلم لو صدر عن عمد وعصيان أو مع مقدمات يتساهل فيها الفاعل للقبيح ، أما لو صدر الفعل عن سهو من دون تعمّد أو تساهل في المقدمات فلا يصدق على مرتكبه بأنه ظالم ، مضافا إلى أنّ العقل لا يعدّه ظلما.
والجواب :
إن السهو وإن لم يكن اختياريا للإنسان إلّا أنّ مقدماته اختيارية يمكن للمرء أن يتجنبها ولا يتلبس بها حتى لا يقع في محذور الظلم ولو سهوا ، مضافا إلى أنّ الظلم الصادر من الساهي يتحد من حيث النتيجة مع نتائج الظلم فيكون مانعا من الارتقاء إلى مقام الإمامة.
الدليل الثامن :
لو صدرت منهم الذنوب والخطايا للزم أنّ يكونوا أقلّ درجة من عصاة الأمة ، فإنّ درجات الأنبياء والأولياء في غاية الرفعة والجلالة وسبوغ النعم الإلهية باصطفائهم على الناس وجعلهم أمناء على وحيه وخلفاء في عباده وبلاده ، فارتكابهم المعاصي والإعراض عن أوامر ربهم ونواهيه للذة فانية أفحش وأشنع من عصيان أفراد الأمة ، فصاروا بذلك تابعين لا متبوعين فيحتاجون إلى من يؤدبهم فينتفي بذلك فائدة بعثتهم.
الدليل التاسع :
إنّ عوامل الإثم والمعصية والخطأ عند الأنبياء والكمّل من أوليائه منتفية من الأساس عندهم وذلك لما حباهم به المولى من المواهب والألطاف نتيجة استعداد نفوسهم وعلو هممهم واطلاعهم على الغيوب مع مشاهدتهم للحقائق ، فمع كل هذا كيف يمكن أن نتصور أنهم يخطئون أو يذنبون في حين أننا لو لاحظنا سيرة الكاملين ممن هم دون الأنبياء والأوصياء حيث ينقل عن بعضهم أنه لم يفعل
__________________
(١) مفاهيم القرآن : ج ٥ ص ٢٥٤ ط. قم.