السبب تعتبر قدرة على مسببه ، فيمكن أن يكلّف الإنسان بأن لا ينسى الشيء الفلاني ، أو أن يزيد من نسبة حفظه وضبطه ، باعتبار قدرته على سبب ذلك» (١).
الآية الثانية :
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران / ٣٢).
تقرّر الآية المباركة : أنّ من يدعي حبّ الله ، فعليه اتباع رسوله وأهل بيته لأنّه أمر باتباعهم ، لأنّ من آثار الحب الطبيعية انجذاب المحب نحو المحبوب والاستجابة له ، والمراد من الحب الدافع نحو المحبوب هو الحب القوي ، إذ كلما قويت المحبة كلما انجذب المحب نحو محبوبه ، فمن هنا نعلم أن من لم ينجذب نحو محبوبه دلّ ذلك على أن حبّه كان ضعيفا ، وهذا لا يمكن أن نعتبره حبّا حقيقيا ، لأنّ للحب الحقيقي آثارا علمية ، تربط المحب بالحبيب وتدفعه للسعي في تحقيق طلباته.
إشكال :
قلتم إنّ المراد من المحبة هي المحبة الحقيقية التي تعني الإطاعة التامة للمحبوب ، فإذا كان كذلك فأيّ معنى لغفران الذنوب ما دام المحب دائم الإطاعة لأوامر المحبوب ، ولهذا فقوله : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ليست ذات موضوع.
والجواب :
أولا : إن جملة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) تعني مغفرة الذنوب السابقة.
ثانيا : إن المحب لا يستمر في عصيان المحبوب ، ولكن قد يزلّ أحيانا بسبب طغيان الشهوات.
والآية واضحة الدلالة على وجوب متابعته صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ باعتباره أعظم الأنبياء ـ في أفعاله وأوامره وأقواله مطلقا ، ولو جاز عليه ـ كنبي ـ السهو لوجبت متابعته فيه وهو باطل قطعا ، لأنه لو جاز السهو عليه لاحتمل كل من أفعاله وأقواله ذلك ، فلا يكون حجة أصلا وهو ظاهر الفساد اتفاقا وخلاف مدلول الآية قطعا ، ومناف لوجوب العصمة في النبي والإمام.
__________________
(١) الصحيح من السيرة : ج ٥ ص ١٨٤.