ثانيا : لو كانت المصلحة في سهوه هي أن لا يعيّر المؤمن أخاه المؤمن فلما لا تسوّغ هذه المصلحة جعل النبي أعرجا أو أعورا أو أحولا لئلا يعيّر المسلم من ذوي الآفات والعاهات والمناقص المنفّرة ؛ مضافا إلى أنّ السهو في النبي ليس من مقتضيات القبح والنقص كالكذب حتى تسوّغه الموانع المتداركة لقبحه ونقصه من ضرورة أو ضرر ، بل هو من المناقص الذاتية والعلل التامة للقبح والمنقصة في رتبة النبي تماما كالظلم فلا يمنع قبحه مانع ولا يتدارك نقصه مصلحة.
ثالثا : وأما إسهاؤه صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى لا يغالي فيه فمردود ، لأنّ المقام الربوبي منزّه عن الحوادث والعوارض الجسمانية ، وقد كان النبي كسائر أفراد البشر ، يعرض له ما يعرض لغيره من الحوادث فيأكل ويشرب ويتزوج ويمرض الخ ... فلدفع شبهة الغلوّ طرق أخرى غير التي ذكرها الصدوق لا يلزم منها أي محذور.
رابعا : وأما مسألة أنه سبحانه أسهاه ليفقّه الناس ويعلّمهم فغير صحيح على الإطلاق ، لأنّ بيان حكم السهو غير محتاج إلى وقوع النبي في السهو ، حيث من الممكن أن يعلّم النبيّ الآخرين أحكام السهو من دون أن يبتلى نفسه بالسهو.
خامسا : إنّ روايات سهوه صلىاللهعليهوآلهوسلم متضاربة في مضامينها ، فتارة يروون أن الصلاة كانت عصرا ، وأخرى كانت ظهرا ، وتارة يقولون إنّ النبي دخل الحجرة ثم خرج ليكمل الصلاة إلى ما هنالك من اضطراب عجيب في مضامين تلك المرويات ، مما يسقطها عن الحجية والاعتبار.
سادسا : من المعروف بالأخبار الكثيرة التي فاقت حدّ الاستفاضة أنّ النبي تنام عينه ، ولا ينام قلبه ، حتى أن البخاري عقد له بابا في صحيحه في كتاب بدء الخلق ، وروى فيه ثلاثة أحاديث ، وفي أحدها : «وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم» (١) ، فإذا كان قلبه لا ينام حال النوم ، فهل يعقل أن ينام قلبه حال اليقظة؟!
سابعا : إنّ وقوع السهو من الأنبياء في العبادة ، مناف لحكمة البعثة ، فإنّ الحكمة فيها إرشاد الخلق وتقريبهم إلى ما هو الأحب إليه تعالى والأصلح لهم ، ومن المعلوم أن الإقبال على عبادة الله تعالى أحب الأمور إلى الله تعالى وأصلحها للعبد ، والسهو مناف للإقبال ، فإذا لم يقبل النبي على عبادة ربه وصدر منه السهو
__________________
(١) رقم الحديث : ٣٥٦٩ ورقم ٣٥٧٠.