مشرك ، لأنه ثبت في كل منهم أنهم خير قرنه ، فإن كان الناس الذين على الفطرة هم آباءهم فهو المدّعى ، وإن كان غيرهم وهم على الشرك لزم أحد الأمرين :
إمّا أن يكون المشرك خيرا من المسلم وهو باطل بالإجماع ، وإمّا أن يكون غيرهم خيرا منهم وهو باطل لمخالفة الأحاديث ، فوجب قطعا أن لا يكون فيهم مشرك ليكونوا خير أهل الأرض في كل قرنه».
يتبين من هذا أن التفسير المذكور للآية ١٣٣ البقرة مبني على وجود قرائن واضحة من القرآن نفسه ومن مختلف الروايات الإسلامية.
ب ـ ومن الأمور التي استدلّوا بها على كفر آباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما روي عن مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفّان عن حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي؟
قال : في النار ، فلمّا قفا دعاه ، فقال : إنّ أبي وأباك في النار (١).
يجاب عنه :
أولا : إنّ هذه الرواية معارضة للروايات التي تقدمت سابقا الدالّة على إيمان آباء النبي وأجداده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مما يدلّ على حرمة الأخذ بها.
ثانيا : لقد روى هذه الرواية حماد بن سلمة عن ثابت ، عن أنس ، مع أننا نجد (٢) : أنّ معمرا قد روى نفس هذا الحديث عن ثابت عن أنس ولكن بنحو آخر لا يدلّ على كفر أبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد قال له صلىاللهعليهوآلهوسلم : حيثما مررت بقبر كافر فبشّره بالنار (٣).
مضافا إلى أن رواية معمر رويت بسند صحيح على شرط الشيخين عن سعد بن أبي وقاص ، وكذا رويت عن الزهري بسند صحيح أيضا.
ثالثا : كيف يكون أبواه صلىاللهعليهوآلهوسلم (عبد الله وعبد المطلب) وغيرهم في النار كما يدّعي هؤلاء ، ثم يكون ورقة بن نوفل ، الذي أدرك البعثة ، ولم يسلم ، في الجنّة عليه ثياب السندس (٤).
__________________
(١) البداية والنهاية : ج ٢ ص ٢٢٣.
(٢) الصحيح من السيرة : ج ٢ ص ١٩٢.
(٣) البداية والنهاية : ج ٢ ص ٢٢٣.
(٤) الصحيح من السيرة : ج ٢ ص ١٩٢ وص ٢٨٨.