وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (إبراهيم / ٤٢) في حين عند ما استغفر لآزر كان ذلك في أول عهده وفي شبابه فلو كان آزر أبا لإبراهيم لما استغفر له في أواخر حياته بعد أن هجره أوان شبابه؟ لذا استعمل كلمة «أب» التي تفيد العمومة لا الأبوة المباشرة ويشهد له قوله تعالى حاكيا عن أولاد يعقوب (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً).
ففي الآية عبّر عن العمّ ب «الأب» لأنّ إسماعيل كان عمّا ليعقوب ابن إسحاق لا أباه ؛ فأولاد يعقوب عبّروا عن عمّهم إسماعيل بأنه أب لأبيهم يعقوب ، مع أنه كما عرفت يعتبر عمّا ليعقوب.
القرينة الثالثة :
إنّ آزر كان مشركا ، والمشرك نجس لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة / ٢٨) وقد أكّدت المرويات أنّ آباء النبي محمد كلّهم موحّدون ، منها الحديث الصحيح عنهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «نقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات لم يدنسني بدنس الجاهلية».
وقد قال الطوسي في التبيان (١) : «هذا لا خلاف في صحته». وقد رواه عدّة من المفسرين الشيعة والسنة كالطبرسي في المجمع والنيسابوري في غرائب القرآن ، والفخر الرازي في تفسيره ، والآلوسي في روح المعاني.
وكذا السيوطي في مسالك الحنفاء كما جاء في هامش بحار الأنوار (٢) ، مستدلا على إيمان والديّ الرسول وأجداده إلى إبراهيم عليهالسلام بمقدمتين :
«الأولى : إنّ الأحاديث الصحيحة دلّت على أن كل أصل من أصول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم من آدم عليهالسلام إلى أبيه عبد الله فهو خير أهل قرنه (أي عصره) وأفضلهم ، ولا أحد في قرنه ذلك خير منه ولا أفضل.
الثانية : إنّ الأحاديث والآثار دلّت على أنه لم تخل الأرض من عهد نوح عليهالسلام أو آدم عليهالسلام إلى بعثة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن تقوم الساعة من أناس على الفطرة يعبدون الله ويوحّدونه ويصلّون له ، وبهم تحفظ الأرض ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها ، وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين نتج أنّ آباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن فيهم
__________________
(١) ج ٤ / ١٧٥.
(٢) ج ١٥ / ١١٨.