الإيمان كما قال : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) (الممتحنة / ٥).
فاستغفر له على ما يصح ويجوز من شرائط الحكمة ، فلمّا تبيّن له أنه عدوّ لله ، وآيس من إيمانه تبرّأ منه ، فيكون بهذا قد أظهر آزر لإبراهيم الإيمان ، وكان إبراهيم قد وعده أن يستغفر الله إن آمن فلما أظهر الإيمان استغفر له ، فأعلمه الله أنّ ما ظهر منه بخلاف ما يبطنه «فتبرأ منه» (١).
فاستغفار إبراهيم له من أجل تظاهره بالإسلام ، والأنبياء مأمورون بمجاراة الظاهر والعمل عليه.
٢ ـ إنّ والد إبراهيم هو «تارخ» باتفاق مؤرخي الشيعة وبعض السنّة (٢) وآزر عمّ إبراهيم عليهالسلام لا أبوه على المشهور ، وجدّه لأمه على قول بعضهم.
وهناك قرائن عدّة تؤكد كون «تارخ» والد إبراهيم عليهالسلام هي :
القرينة الأولى :
لم يرد في كتب التاريخ أنّ أبا إبراهيم هو آزر ، بل الثابت أنّ اسم أبيه هو «تارخ» وهذا ما ورد أيضا في العهدين القديم والجديد ، والذين يعتبرون آزر والد إبراهيم يستندون إلى تعليلات لا يمكن قبولها ، من ذلك أنهم يقولون : إنّ اسم والد إبراهيم هو تارخ ولقبه آزر ، وهذا القول لا تسنده الوثائق التاريخية.
أو يقولون : إنّ «آزر» اسم صنم كان أبو إبراهيم يعبده ، وهذا القول لا يأتلف مع هذه الآية التي تقول إنّ أباه كان آزر ، إلّا إذا قدّرنا جملة أو كلمة ، وهذا أيضا خلاف الظاهر (٣).
القرينة الثانية :
وجود فرق بين كلمتي الأب والوالد ، حيث إنّ الأولى أعمّ من الثانية ، فكلمة «والد» عطي معنى الأبوة المباشرة ويشهد له قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام الذي استغفر لوالده الحقيقي بعد أن بلغ من الكبر عتيا (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي
__________________
(١) التبيان في تفسير القرآن : ج ٥ ص ٣٠٩.
(٢) ذكر ابن حجر أنّ آزر لم يكن أبا لإبراهيم ، وإنما كان عمّه أو جده لأمه.
لاحظ تاريخ الخميس : ج ١ ص ٢٣٥ والصحيح من السيرة : ج ٢ ص ١٩٠.
(٣) تفسير الأمثل : ج ٤ ص ٣٢٢.