تمردهم على تعاليمه واستهانتهم بقوانينه ، وانتشار الظلم والعدوان فيهم من ملوكهم إلى صعاليكهم ومن خاصتهم إلى عامّتهم ، هو الذي شلّ حركة تقدمهم وأضعف قوتهم وحطّم معنوياتهم وجلب عليهم الويل والثبور ، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال / ٥٤) ، تلك سنّة الله في خلقه (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (يونس / ١٨) (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (هود / ١١٨) (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود / ١٠٣).
وكيف ينتظر من الدين أن ينتشل الأمة من وهدتها ، وهو عندها حبر على ورق لا يعمل بأقلّ القليل من تعاليمه ان الإيمان والأمانة والصدق والإخلاص وحسن المعاملة والإيثار ، وان يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ، وأشباهها من أول أسس دين الإسلام ، والمسلمون قد ودعوها من قديم أيامهم إلى حيث نحن الآن. وكلما تقدم بهم الزمن وجدناهم أشتاتا وأحزابا وفرقا يتكالبون على الدنيا ويتطاحنون على الخيال ويكفر بعضهم بالآراء غير المفهومة أو الأمور التي لا تعنيهم ، فانشغلوا عن جوهر الدين وعن مصالحهم ومصالح مجتمعهم بأمثال النزاع في خلق القرآن والقول بالوعيد والرجعة ، وان الجنة والنار مخلوقتان أو سيخلقان ، ونحو هذه النزاعات التي أخذت منهم بالخناق وكفّر بها بعضهم بعضا ، وهي إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على انحرافهم عن السنن الجادة المعبدة لهم إلى حيث الهلاك والفناء.
وزاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان حتى شملهم الجهل والضلال وانشغلوا بالتوافه والقشور ، وبالأتعاب والخرافات والأوهام ، وبالحروب والمجادلات والمباهات ، فوقعوا بالأخير في هاوية لا قعر لها ، يوم تمكن الغرب المتيقظ ـ العدوّ اللدود للإسلام ـ من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلى الإسلام وهي في غفلتها وغفوتها ، فيرمي بها في هذه الهوة السحيقة ، ولا يعلم إلّا الله مداها ومنتهاها (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).