مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) (الأنعام / ١٣١).
فليس فيها ما يدلّ على وجود أنبياء منهم ، وإنما يستفاد من آيات سورة الجن ما يدلّ بجلاء على أنّ الإسلام والقرآن للإنس والجن ، وأنّ نبي الإسلام رسول الله إلى الجميع ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لهم رسل وممثلون من جنسهم عهد إليهم رسول الله بدعوتهم إلى الإسلام.
ومما يدلّ على أنهم مكلّفون بما كلّف به الإنس ، ومأمورون بالاقتداء برسل الإنس قوله تعالى : (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء / ٨٩).
لذا قد سارع فريق من الجن إلى الإيمان عند ما استمعوا للقرآن (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (٢) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٣) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٤)) (الجن / ٢ ـ ٤).
وهؤلاء الذين استمعوا إلى القرآن وآمنوا به هم المذكورون في قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٣٠) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣١) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) (الأحقاف / ٣٠ ـ ٣٣).
فرجعوا دعاة يدعون قومهم إلى التوحيد والإيمان ويبشرونهم وينذرونهم ، وينبغي أن يعلم أنّ «منكم» الواردة في قوله تعالى (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ) لا تعني أن أنبياء كل جنس يكونون من الجنس نفسه ، لأننا عند ما نقول : «نفر منكم» يمكن أن يكون هؤلاء من طائفة واحدة أو من عدة طوائف.
لذا ومن منطلق أن الأنبياء والمرسلين بشر ، كان تخصيصهم بالفضل على البشر ، مع شموله للجن والملائكة من باب أنس الذهن البشري بالمحسوس الظاهر دون المستور الباطن فتأمل.
ولا خلاف بين طوائف المسلمين على أفضلية الأنبياء على الجن ، وإنما الخلاف على أفضليتهم على الملائكة ؛ فذهب الإمامية والأشاعرة إلى أفضلية