وجه الاستدلال : لمّا نفى النبي عن نفسه الملكيّة ، دلّ على أنّ الثاني أفضل منه.
والجواب :
إنّ المراد بالخزائن التي نفاها النبي عن نفسه ، هي خزائن الرحمة الإلهية الموجودة عند الله تعالى لا تنقص ، وهي مختصة به تعالى ، وأما غيره سبحانه كائنا من كان ، فما عنده مقدّر لأنه ممكن ومحدود ، أما الله فإذا بذل فلا ينقص من عطائه وبذله شيء أبدا (١).
والمراد من نفي علم الغيب عن نفسه ، إنما هو الاستقلال بهذا العلم من غير تعليم منه تعالى ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) أي أنت يا محمّد بحسب طبعك ومن دون تعليم منّا لا تعلم المنافقين ، أما أنهصلىاللهعليهوآلهوسلم يعلم بتعليم منه سبحانه فمما لا ريب فيه أصلا لقوله تعالى : (قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (التحريم / ٤) (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) (آل عمران / ٤٥) (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (الجن / ٢٧ ـ ٢٨) والمراد من نفي كونه ملكا هو كناية عن نفي آثار الملكية عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ الملائكة منزّهون عن حوائج الحياة المادية من أكل وشرب وغيرهما لذا قال : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) (الكهف / ١١١).
والآية مورد البحث هي ردّ على أولئك الذين قالوا له :
(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) (الفرقان / ٨).
فالآية المباركة جواب صارخ على المقترحين على النبي أن يكون كالملائكة المنزّهين عن الأكل والشرب ، أو أن يأتيهم بالمعجزات وأن يفجّر لهم من الأرض ينبوعا أو تكون له جنة من نخيل وما شابه ذلك (٢). إذن ليس في دلالة الآية ما يدلّ على أفضلية الملائكة على الأنبياء عليهمالسلام.
الرابع :
ما ذكره الشيخ الحر في آخر رسالته في الرجعة في ضمن جوابه السادس عن
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ٧ ص ٩٥.
(٢) سورة الإسراء / ٩٣.