صاروا أشرف بعد الاصطفاء (١).
٣ ـ لا يبعد أن يكونا قد رغبا في أن يصيرا على هيئة الملائكة وصورها ، وليس ذلك دليلا على رغبتهما في الثواب ولا الفضل ، فإنّ الثواب لا يتّبع الهيئات والصور ، وذلك لأنه لا نزاع أنّ الملك أفضل من البشر في باب القوة والقدرة وفي الحسن والجمال وفي الصفاء والنقاء عن الكدورات الحاصلة بسبب التركيبات ، فإنّ الملائكة خلقوا من الأنوار ، وآدم مخلوق من التراب ، فلعلّ آدم عليهالسلام وإن كان أفضل منهم في كثرة الثواب ، وفي علمه عليهم إلّا أنه رغب في أن يكون مساويا لهم في تلك الأمور التي عددناها وهي الهيئات والصور ، فكان التغرير حاصلا من هذا الوجه (٢).
الثاني :
قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (النساء / ١٧٣).
وجه الاستدلال : أنّ العرب قد جرت عادتهم بأنهم إذا أرادوا تعظيم شخص بنفي فعل عن الغير كانوا يقدّمون الأدنى ، ويتبعونه بالأعظم ، كما يقال فلان لا يردّ الوزير قوله «بل ولا السلطان» وتأخير النفي في الآية يدل على ما قلناه.
والجواب :
إنه ليس كلاما واحدا وقع فيه تقديم وتأخير ليدلّ على أشرفية أحدهما على الآخر ، بل كلامين مستقلين خاطب بأحدهما طائفة من النصارى ردّا عليهم في قولهم «المسيح ابن الله» وبالأخرى طائفة من مشركي العرب ، ردّا عليهم في قولهم «الملائكة بنات الله» ومضمونها «أنّ المسيح والملائكة عباد مربوبون» (٣).
الثالث :
قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (الأنعام / ٥١).
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) رسائل المرتضى : ج ٢ ص ١٦٧.
(٣) إرشاد الطالبين : ص ٣٢٤.