أما كونه عليه وآله السلام أكثر فيضانا ، فلأنّ شريعته بلغت أكثر بلاد العالم وانتشرت في أطراف الأرض بالرغم من محاربة كل الأديان المنحرفة لها ، وانتشارها دليل عافيتها بخلاف سائر الأنبياء ، فإنّ دعوة موسى عليهالسلام رغم تقدّمها زمانا على شريعة النبي محمد اقتصرت على بني إسرائيل وهم بالنسبة إلى أمّة محمّد في غاية القلة ، وأما عيسىعليهالسلام فالدعوة الحقة التي جاء بها لم تبق البتة ، وما هو موجود بين أيدي النصارى مما يدعونه شريعة له عليهالسلام فهو تخرّص وجهل محض بحقائق ومعارف النبي عيسى عليهالسلام ، وكفر صريح بما جاء به ، والاستقراء يدعمه ، فوجب أن لا يكون شريعة له ، فإذا ثبت كونه أكثرهم فيضانا ثبت بطريق أولى كونه أفضلهم كمالا.
الثاني :
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام / ٩١).
أمر الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقتدى بهم بأسرهم ، فوجب أن يأتي بكل ما أتوا به ، فوجب أن يحصل على مثل كمالات جميعهم ، فيكون أفضل من كل واحد منهم (١).
قد يقال : ما المقصود من أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يهتدي بهدى أولئك الأنبياء؟
يقول بعض المفسرين : «إنّ المقصود قد يكون هو الصبر وقوة التحمّل والثبات في مواجهة المشاكل» ، ويقول بعض آخر أنه «التوحيد وإبلاغ الرسالة» ولكن يبدو أن للهداية معنى واسعا يشمل التوحيد وسائر الأصول العقائدية ، كما يشمل الصبر والثبات وسائر الأصول الأخلاقية والتربوية» (٢).
أيضا يتضح مما سبق أنّ هذه الآية لا تتعارض مع القول بأنّ الإسلام ناسخ الأديان والشرائع السابقة ، إذ إن النسخ إنما يشمل جانبا من أحكام تلك الشرائع لا الأصول العامة للدعوة.
الثالث :
قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم / ٥).
بما أن الله سبحانه وصف نبيه الكريم بحسن الخلق العظيم دل ذلك على أنه
__________________
(١) قواعد المرام : ص ١٣٥.
(٢) تفسير الأمثل : ج ٤ ص ٣٤٥.